ماذا لو صدر هذا القرار من وزارة العمل السعودية؟ (2 من 2)

في الجزء الأول من هذا المقال، تم التطرق لمجموعة من الدوافع الداعية للتغير في سياسة العمل في المملكة بما يعود بالفائدة على أمن واقتصاد الوطن، وكان آخر ما توصلنا إليه هو أن سياسة العمل بحاجة إلى تغيير ليتناسب مع تطلعات وآمال أبناء المملكة، وبقينا جميعا وخلال أسبوع كامل في حالة من أحلام اليقظة الهدف منها هو تطوير أسلوب العمل، ولنتعرف على ما دار في ذهني وعايشته وأكاد أجزم أن الأغلبية الساحقة توافقني الرأي، فمثل هذا القرار سيعود بفوائد كبيرة كما نرى ونلمس فوائده الجمة في البلاد الغربية.
مما ذكر فإننا نؤمن جميعاً بالحاجة الماسة إلى تطوير أسلوب العمل في القطاع الخاص في المملكة، وأن أكثر من مليون ونصف من الطاقة البشرية ستكون قادرة ـ بإذن الله ـ للعمل في هذا السوق الكبي، كما أتطلع أن يخدم مثل هذا القرار بتغيير الفكر الوظيفي لدى أبناء وبنات المملكة، وسيفيد أمن واقتصاد البلد ـ بإذن الله ـ. ولكن لتحقيق النتائج المرضية والإيجابية لمثل هذا القرار فإنه لابد من تنظيم تنفيذ مثل هذا القرار خصوصاً من خلال القرارات المساعدة والتي تسند مثل هذه الاستراتيجية الوطنية ومنها:

أولاً: لتحقيق النتيجة المرجوة فإنه من الضروري على وزارة العمل أن تضع حداً أدنى للأجور مع الأخذ في الحسبان ألا يُفرق هذا الحد بين المواطن والمقيم، وهذا حتى لا يكون هناك حجة لأصحاب الأعمال في استقطاب أيدي رخيصة للقيام بالعمل نيابة عن أبناء الوطن. ومثل هذا القرار سيفيد في خفض عدد العمالة الزائدة، وتوفير الخبرات الوطنية.
ثانياً: حتى نستفيد من طاقات الشباب في العمل فإن وزارة العمل مع الوزارات المختصة مطالبة بتنظيم ساعات العمل في القطاع الخاص بما ينظم الأسواق والمهن المختلفة لتتماشى مع النواحي الاجتماعية. والمقصود هنا هو تحديد ساعات العمل في مختلف المجالات والتي تشرف عليها الوزارة ومثيلاتها من الوزارات المختصة.
ثالثاً: إنشاء قاعدة بيانات وطنية مرتبطة بفروع مكاتب العمل في مختلف المناطق تحدث لحظياً يتمكن من خلاله الراغب في العمل من التعرف على الوظائف المتاحة، متطلبات العمل، الأجر، مدة الوظيفة وغير ذلك ما يسهل على طالب العمل الحصول على فرصة العمل في وقت قياسي مستعينا بعد الله بالتقنية الحديثة، ودون بحث عن واسطة خير أو معرفة، وهذا سيحفظ للجهة مالكة العمل الجهد والوقت في انتظار إجراءات الاستقدام أو إجراءات الاختبارات والمقابلات التي لا تؤدي الغرض في بعض الأوقات.
رابعاً: هذه الاستراتيجية يجب أن تتم بتوافق ما بين جميع قطاعات الدولة العامة والخاصة ويجب أن تتسم بالمرونة لتكون قابلة للتصحيح والتطوير في أي وقت، ودون عناء للجان المختصة، فمثل هذا القرار سيؤدي إلى تغير كبير في ثقافة العمل والذي قد يقابل بالرفض من المجموعات التي تؤمن أن الواقع هو الأفضل، ولكن مع مرور الزمن والتعود على هذا النمط الجديد في الحياة سيكون مقبولاً أكثر، خصوصاً أن الشريحة الكبيرة من المجتمع هم من الشباب والذين يعانون أوقات الفراغ ويطمحون لإيجاد فرص العمل التي تتناسب مع طاقاتهم وأوقاتهم وهو ما سيعود على ثقافة تقبل العمل.
خامسا: وهذه ليس لها دور في قرار وزارة العمل، ولكن لها أثر كبير في الاقتصاد والأمن الوطني، وهو أن على البنوك والمؤسسات المالية أن تستحدث أوعية استثمارية توجه للفئة القادمة للعمل في المملكة حتى تُغري هذه الأموال للاستثمار والبقاء في المملكة لأطول فترة ممكنة، كما أنه من المستحسن أن يمنح هؤلاء العاملون بعض المميزات لحثهم على جلب أسرهم للعيش معهم في المملكة خلال فترة عملهم، حتى يُخفض رقم التحويلات الخارجية بقدر المستطاع، وحتى تنخفض نسب الجريمة المرتكبة بأيدي العمالة الأجنبية.
كما ذُكر سابقاً فإن مثل هذا القرار له كثير من الفوائد ويواجه كثيرا من العقبات والصعاب التي قد تحول دون نجاحه والتي ستعرض في الجزء التالي، فالفوائد المتوخاة من تطبيق مثل هذا القرار قد تتمثل في:
سيقود مثل هذا القرار ـ بإذن الله ـ إلى تقليل معدل الجريمة إلى مستوى قياسي، وسيوفر الفرصة لتحقيق فائدة للشباب من استغلال أوقات الفراغ الطويلة بما يعود عليهم بالنفع العلمي والمادي فيحققون خبرات جديدة تقودهم مستقبلاً للانخراط في العمل بالقطاع الخاص، وتجعلهم أشخاص منتجين يسهمون في البناء والتطوير.
مثل هذا القرار سيؤدي للاستفادة من طاقات وخبرات المتقاعدين لفترات طويلة طالما أنهم قادرون على العطاء والإفادة، ولا شك في أنهم يملكون الخبرات والطاقات التي تمكنهم للقيام بالأعمال، وهذا سيؤدي حتماً لخلق منطقة التقاء ما بين الشباب والخبرة مما قد يقود بعد ذلك لتشكيل المؤسسات الخدمية الصغيرة التي تساعد وتسهل عمل القطاعات الكبيرة والتي قد تتطور مستقبلاً لتكون مشاريع كبيرة مستقلة تؤسس لخدمة البلد وقطاعاته المختلفة.
في المقابل فإن مثل هذا القرار سيكون له حتما ردة فعل معارضة لن تتقبل مثل هذه الفكرة في البداية وذلك ليس نتيجة للجهل، ولكن لأن نمط الحياة التي تعود عليها المواطن خلال العقدين أو الثلاثة الماضية إنما تعايشت مع ما قد يعارض مثل هذه الأفكار، والشباب أيضا قد لا يستحسنون هذه الفكرة في المستهل ولكن مع مرور الزمن وظهور النماذج الناجحة التي ستحقق أهدافها وترتقي في السلم المعرفي والوظيفي، سيقود ـ بإذن الله ـ لانخراط كثير من الطاقات في هذا المجال لمجاراة أمثلة النجاح، ومن هذه النماذج ما نشرته صحيفة "الاقتصادية" في عددها 5557 والذي نشر في 28 كانون الأول (ديسمبر) 2008 عن خمسيني يفتتح محلا لـ "غيار الزيوت". وينافس العمالة الوافدة، وللتعرف على نموذج إيجابي لردة فعل الناس يمكنكم زيارة الموقع الإلكتروني للصحيفة لمشاهدة التعليقات، ومدى الاحترام الذي يكنه أبناء الشعب لصاحب العمل. إضافة إلى ذلك فإن بعض المشاريع الصغيرة حالياً ستواجه خطر الانهيار بسبب عدم الاستمرارية في توافر الأيدي العاملة وعدم مقدرتها لتغطية السوق، وهذا سيكون صحياً في البداية للتخلص من بعض المشاريع التي تمثل عبئاً على أصحابها قبل المجتمع، وقد يقود لتوحيد الجهود وتكوين التكتلات الاقتصادية، التي ستنجح حتماً عندما تتوافر لها مثل هذه الفرص السانحة. وفيما يتعلق بأسعار السلع والخدمات فإنها قد تواجه ارتفاعاً طفيفاً ولكن هذه النقطة قد يتم تداركها إذا عُلم أن الفائدة على المستوى العام للبلد ستكون أكبر.
الحلم الذي عشناه سويا، ليس حلا من كوكب آخر، وليس معادلة صعبة لا يمكن التبوء بحلها. إنما الحل في فتح مجالات العمل بنظام العمل الجزئي للسعوديين Part time Job، ففئات المتقاعدين، وطلاب التعليم العالي، والعاطلين عن العمل، والموظفين في بعض الأحيان بما لا يضر بوظائفهم الرسمية التي يقومون بها. ومثل هذا القرار سيتيح للمواطن العمل في أوقات فراغه لتحقيق فوائد مختلفة كتحسين مستوى الدخل، وإشغال وقت الفراغ، واكتساب خبرات جديدة.
بعد هذه القراءة لهذا السيناريو المفترض والذي قد يحدث يوماً وآمل أن يكون قريباً، فماذا تتوقعون لتطبيق مثل هذا القرار؟
ختاماً: لا شك أن وزارة العمل تبذل جهداً كبيراً في مجال القضاء على البطالة، وفي إحلال الأيدي الوطنية مكان الأيدي العاملة الأجنبية، وهذا الجهد يشكرون عليه دائماً. وهذا القرار قد يُتخذ في أي بلد لحماية المصالح الاستراتيجية له. وبالنظر إلى الإيجابيات من مثل هذا القرار فكل السلبيات يمكن تجاوزها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي