أهمية إنشاء صندوق خاص لضمان الودائع المصرفية

تناولت في مقال سابق التنظيم القانوني للودائع المصرفية، وأقترح في هذا المقال آلية عملية لحماية تلك الودائع من الخسارة التي يُمكن أن يتعرض لها أصحابها بسبب إعسار البنوك خاصة في ظل الأزمة العالمية التي اجتاحت النظام المصرفي العالمي في الآونة الأخيرة. فأرى أنه يُمكن إنشاء صندوق مالي يُخصص لضمان تلك الودائع؛ حيث يتخذ شكل مؤسسة مستقلة يتم إنشاؤها بموجب نظام خاص، وتهدف إلى حماية أموال المودعين في البنوك العاملة في البلاد من خسارة ودائعهم عند تعرض أي من هذه البنوك لإعسار يؤدي إلى عدم مقدرته على الوفاء بالتزاماته تجاه المودعين؛ ومن ثم يُسهم هذا النظام في تحقيق غاية اقتصادية مهمة هي استقرار وسلامة المعاملات البنكية وتدعيم الثقة بها. إذ يتمثل دور صندوق ضمان الودائع المصرفية المقترح في إدارة نظام ضمان الودائع المصرفية وحماية حقوق المودعين أموالهم في البنوك؛ كما يسهم في إدارة المخاطر بصورة سليمة في النظام المالي المصرفي بما يحقق الاستقرار المصرفي.
وللوصول إلى تلك الأهداف والغايات يقع على عاتق الصندوق المقترح مهمة أولى وأولية تتمثل في دراسة المراكز المالية للبنوك العاملة في البلاد، وتحليلها، وربطها بالمناخ الاقتصادي الوطني وبالاقتصاد الدولي ككل، وتحديد مواطن الضعف والقصور فيه إن وجدت ومناقشتها بواسطة لجنة خاصة تتولى عملية التنسيق بين صندوق ضمان الودائع المصرفية ومؤسسة النقد العربي السعودي وتقوم إدارة التفتيش البنكي في تلك المؤسسة بمعالجة الخلل، ثم تقع على الصندوق المقترح مهمة ثانية تتمثل في وضع وتنفيذ آلية للتعامل مع  البنك الذي يتعرض لصعوبات مالية أو لحالة إعسار تتطلب تصفيته فيسهم الصندوق في إنهاء إجراءات تصفية البنك بصورة عاجلة لمنع تأثيره في القطاع المصرفي ككل.
وتكون جميع البنوك السعودية والأجنبية العاملة في البلاد والمرخص لها بمزاولة العمل المصرفي أعضاء في هذا الصندوق المقترح؛ حيث تكون العضوية إلزامية؛ حتى تشارك جميع البنوك في منظومة الضمان للودائع المصرفية.
أما من حيث مصادر تمويل الصندوق المقترح فهي مصدران أساسيان: المصدر الأول: يتمثل في المساهمات السنوية التي تدفعها البنوك كافة؛ حيث يلتزم كل بنك بأن يدفع المساهمة السنوية المقررة عليه لضمان الودائع الجارية والادخارية طبقاً لما ينص عليه نظام ضمان الودائع المصرفية.
أما المصدر الثاني: فيتمثل فيما يُمكن أن تسهم به الجهات الحكومية الممثلة في وزارة المالية ومؤسسة النقد العربي السعودي كل على حدة بدفع نسبة معينة يُمكن أن تكون ما يعادل من 10 إلى 15 في المائة من جملة مساهمات الودائع الجارية والادخارية. أما الودائع الاستثمارية فتدفع المساهمة بواسطة كل من: البنك والعميل المودع.
ومن حيث إجراءات دخول الوديعة تحت مظلة تغطية الضمان فلا يُشترط تقديم طلب، بل يتم ضمان الودائع المصرفية بصورة تلقائية دون أي إجراء.
وفيما يتعلق بحدود التغطية للوديعة يُمكن القول إن التغطية ليست شاملة، بل هناك حدود عليا لتغطية الودائع تتم مراجعتها وتعديلها بصفة دورية على ضوء الموارد المالية للصندوق لتغطية أكبر عدد من الودائع. وعليه فإذا كانت قيمة الوديعة تفوق حدود التغطية فلا يُمكن عمل ضمان إضافي، وذلك لأن نظام ضمان الودائع المصرفية يختلف عن نظام التأمين على الممتلكات أو التأمين على الحياة.
أما من حيث أنواع الودائع التي يتم التأمين عليها  فهي الودائع الجارية والادخارية والودائع الاستثمارية، ولكن العرف المصرفي وبعض القوانين المنظمة لنظام ضمان الودائع المصرفية في بعض الدول يستثني أنواعاً معينة من الودائع لا  يشملها هذا النظام وهي: الودائع بالعملة الأجنبية، والودائع المحجوزة كضمان أو تأمين لعمليات مصرفية، وودائع  رئيس وأعضاء مجلس الإدارة والمديرين العموميين لأي بنك مضمون، وودائع  المساهمين  الذين  يتضح  للصندوق  تحملهم  لأية مسؤولية بالنسبة لعدم سلامة أوضاع البنك المعني، أي الذين يثبت تورطهم في ارتكاب أفعال أدت إلى سوء المركز المالي للبنك، وودائع  المحاسبين  القانونيين  المعينين  لمراجعة حسابات البنك، وودائع  الأزواج  والأولاد  القصر لأعضاء مجلس الإدارة  والمديرين العموميين للبنك، وأي شركة يمتلك البنك غالبية أسهمها.
وهناك عدة مسائل مهمة تتعلق بالودائع التي تتم تغطيتها، من المفيد الإشارة إليها هنا؛ حيث يجب أن نميز بين ثلاثة فروض: الفرض الأول: إذا كانت للعميل وديعة أو أكثر لدى فرع من فروع أحد البنوك العاملة في البلاد، فلا تبدو أية صعوبة في خضوعها لنظام الضمان وتغطيتها به.
الفرض الثاني: إذا كان لدى العميل أكثر من وديعة في عدة فروع لبنك واحد، فلا يجوز أن تضمن هذه الودائع لكل فرع على حدة، بمعنى أن جميع ودائع العميل المودعة بعدة فروع للبنك نفسه يتم تجميعها واعتبارها وحدة واحدة لأغراض الضمان وتعامل كوديعة واحدة، طالما أنها جميعاً في فروع لبنك واحد.
الفرض الثالث: إذا كان لدى العميل أكثر من وديعة في عدة بنوك أعضاء بصندوق ضمان الودائع المصرفية؛ فلا يجوز أن تُجمع هذه الودائع وتُعامل كحساب واحد بغرض الضمان، أي أن الودائع في البنوك المختلفة تُضمن ضماناً منفصلا، ويُطبق الضمان حسب الحد الأعلى المضمون لكل مودع في كل بنك على حده.
ومن الملاحظ أيضاً أنه لا أثر لجنسية العميل صاحب الوديعة في ضمان الوديعة، بمعنى أن ودائع غير السعوديين المقيمين بالريال السعودي يشملها الضمان مثل ودائع السعوديين بالريال السعودي. ويمكن أن يشمل نظام ضمان الودائع المصرفية الودائع في البنوك الإسلامية والودائع في البنوك التقليدية في آن واحد.
أما من حيث الآلية التي يستطيع العميل المودع أن يتبعها لصرف وديعته المضمونة عند إفلاس البنك وتصفيته لعدم مقدرته على مواجهة التزامات أصحاب الودائع فلا يُشترط أن يتقدم العميل بطلب للحصول على وديعته المغطاة؛ بل يقوم المصفي الذي يتم تعيينه ليتولى مهمة تصفية أصول البنك وديونه بتوجيه إعلان لأصحاب الودائع يوضح لكل منهم كيف وأين ومتى يتم صرف ودائعهم المضمونة، حيث يتم ذلك خلال مدة قصيرة يحددها نظام صندوق ضمان الودائع المصرفية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي