السعودية تحمي أمن الحجاج كحق من حقوق الإنسان

تصادف أيام الحج هذا العام ذكرى اليوم العالمي لحقوق الإنسان وهو يوم العاشر من كانون الأول (ديسمبر) عام 2008م (الموافق ليوم الأربعاء 12 من ذي الحجة عام 1429هـ)؛ حيث صدر في هذا اليوم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي جاء بعد أن تناسى العالم حقوق الإنسان نتيجة لانتشار الأعمال الهمجية التي آذت الضمير الإنساني العالمي، فكان صدور هذا الإعلان بمثابة رد فعل لأحداث عاصفة شهدها النصف الأول من القرن العشرين الميلادي، وأدت إلى انتهاك العديد من حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، ثم جاءت الشرعة الدولية لحقوق الإنسان المتمثلة في الاتفاقيتين الدوليتين حول الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في عام 1966، والتي دخلت حيز النفاذ في عام 1976، ووقعت عليها والتزمت بها الغالبية العظمى من دول العالم المعاصر، هذا فضلاً عن اتفاقيات جنيف عام 1949 والبروتوكولات الملحقة بها في عام 1977؛ والعديد من الاتفاقيات والمواثيق الإقليمية. وقد تضمنت تلك المواثيق الدولية والإقليمية ـ التي شاركت فيها السعودية وأقرت أحكامها مع بعض التحفظات المتعلقة بحقوق المسلم ـ النص على العديد من حقوق الإنسان الأساسية التي اعترفت بها الجماعة الدولية، ووضعت آليات لضمان احترامها؛ حيث تتم إحاطة التصرف في شؤون الأفراد والجماعات البشرية بمنظومة من الحدود والضوابط التي تتقلص بموجبها رقعة السيادة المطلقة التي كانت تمارسها السلطات الحاكمة في العصور الغابرة، وأصبحت حقوق الإنسان فكرة عالمية، دل على ذلك القبول العالمي لهذه المواثيق والإعلانات من مختلف الدول والتنظيمات على اختلاف توجهاتها السياسية والاقتصادية.
وعلى الرغم من أهمية تلك المواثيق والاتفاقيات الدولية إلا أن هناك حقيقة لا يُمكن إنكارها مفادها أن الشريعة الإسلامية قد أقرت منذ أكثر من 14 قرناً من الزمان جميع حقوق الإنسان التي ينادي بها المجتمع الدولي المعاصر، فضلاً عن أنها أقرت حقوقاً لم تعترف بها تلك المواثيق الدولية، منها على سبيل المثال لا الحصر حقوق اليتيم، وحقوق الجيران، والأقارب، وحقوق حجاج بيت الله الحرام في الأمن والسلامة. فضلاً عن أن حقوق الإنسان في الإسلام تتميز بالعمومية والشمول لبني آدم جميعاً فهي ليست مخصصة لجنس أو عرق، مهما بلغ فضله، كما تتميز بالعمق وبإحاطتها بضمانات كافية لحمايتها، إذ إن الالتزام بحمايتها ينبع من عقيدة المسلم وعلاقته بربه، ولا يرتبط بجزاء دنيوي أو بعقوبات تقررها قوانين وأنظمة وضعية؛ فحقوق الإنسان في الإسلام تعد حرمات وواجبات حتمية محمية بالضمانات التشريعية والسلوكية في ذمة الأمة الإسلامية كلها، وليس الإنسان وحده، فالإسلام هو الذي وضع أساس استواء جميع أفراد الجنس، وهو الذي ضمن أمن الإنسان وحياته، وأوجب على الدولة أن تراعي ذلك، وأن تحرص على تحقيقه للشعوب لما لذلك من آثار إيجابية في المجتمع ككل؛ كما أن حقوق الإنسان في الإسلام مستمرة وليست نتيجة ظروف طارئة، أو حالات مرتبطة بظروف مستجدة، فضلاً عن أن أداءها لا يتوقف على مطالبة الإنسان بها؛ بل إنها منحة من الله تعالى لعباده لا تحتاج إلى مطالبة.
وقد كفل الإسلام للإنسان الحق في الأمن باعتباره من أهم الحقوق والحامي والحارس لها؛ فلا قيمة للحقوق الأخرى للإنسان إذا لم تكن محمية بالأمن الحسي والمعنوي، إذ يعد حق الإنسان في الأمن من أهم الحقوق والحريات الفردية، بل يشكل أحد أهم حريات الإنسان التي تتضمن الحريات الأخرى وتكفلها، فحيث لا يوجد الأمن لا يصح الادعاء بوجود حماية لأية حقوق أخرى، أي أن عدم وجود الحق في الأمن أو الانتقاص منه بأي شكل يعني أنه لا يوجد من الحقوق والحريات سوى مظهرها فقط. ولذا قرر الإسلام عقوبات مغلظة توقع على كل من يحرم الناس نعمة الأمن في الدنيا والآخرة، مثل قطاع الطرق، والبغاة الذين يبثون الرعب والفساد بين الناس في المجتمع، والخارجين على أئمة المسلمين، وجعل جرائمهم محاربة لله ورسوله، ووسع الإسلام من مفهوم الحق في الأمن فجعله يشمل الأمن على الدين والنفس والعقل والمال والعرض. وقد جاء في حجة الوداع من حديث الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما يؤكد حرمة دم المسلم وماله وعرضه، فيعتبر يوم الحج الأكبر هو أقدم ميثاق لحقوق الإنسان عرفته البشرية؛ وأكد الإسلام بصفة خاصة على أمن ضيوف الرحمن، لذا فقد اهتمت الحكومة السعودية منذ تأسيس المملكة في عهد الملك عبد العزيز ـ طيب الله ثراه ـ بتوفير الأمن لحجاج بيت الله الحرام؛ باعتبار أن نعمة الأمن تُعد من أجل النعم التي من الله بها على الإنسان، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه النعمة في أكثر من آية، منها قوله تعالى: (الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) قريش:4؛ وقوله تعالى: (والذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم فأولئك لهم الأمن وهم مهتدون) الأنعام: 82؛ وصدر النظام الأساسي للحكم بالأمر الملكي رقم (أ/90) لعام 1412هـ، الذي ينص على التزام الدولة بحماية أمن حجاج بيت الله الحرام باعتباره أحد حقوق الإنسان الأساسية التي حرص هذا النظام على كفالتها؛ إذ تقرر مادته 24 أن الدولة تقوم" بإعمار الحرمين الشريفين وخدمتهما، وتوفير الأمن والرعاية لقاصديهما، بما يُمكن من أداء الحج والعمرة والزيارة بيسر وطمأنينة".
ولتحقيق ذلك أنشأت السعودية أجهزة الأمن التي تبذل قصارى جهدها لتوفير الأمن للمواطنين والمقيمين والقادمين للحج والعمرة على مدار العام والسهر على راحتهم، بغية تحقيق الاستقرار النفسي والمادي لهم من خلال بذل هذه الأجهزة قصارى جهدها، فهي تصل الليل بالنهار لتحقيق هذا الهدف السامي، الذي يلمسه ضيوف الرحمن الذين يأتون من كل فج عميق من جميع بقاع الأرض لتأدية نسكهم وليشهدوا منافع لهم ويعودا سالمين إلى أوطانهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي