استعدادنا لاستقبال مخرجات البعثات

بعد سنوات استأنفت المملكة برنامجا طموحا وموسعا للبعثات. ابتعثت المملكة آلاف الطلاب والطالبات للدراسة الجامعية والعليا إلى أمريكا وأوروبا وأستراليا وحتى الدول الآسيوية. بدأ هذا البرنامج منذ نحو خمس سنوات لذلك حان القطاف وبدأ الخريجون في الرجوع إلى المملكة. هذه الموجة من البعثات مستمرة والخريجون في تزايد, وهذا ما يميز هذه الموجة من البعثات عن غيرها من البعثات السابقة, خاصة أن الموجة السابقة كانت قبل نحو جيل, حيث امتدت منذ أواسط السبعينيات الميلادية حتى تقريبا عام 1981. خريجو تلك الموجة قريبو التقاعد, خاصة من ابتعث للدراسات العليا في تلك الفترة. خريجو تلك الموجة هم من يشغل أكثر المناصب الإدارية الوسطى والعليا في الحكومة والقطاع الخاص. لذلك نحن مقبلون على تدافع جيلين، بعد فراغ بين موجة البعثات وهذه الموجة، هناك حاجة كبيرة إلى تجديد الدماء وإعادة ربط اقتصاد المملكة بالمعطيات العلمية والفنية الحديثة, وكذلك إعطاء الخريجين الجدد حقهم من الفرص وخيرات البلاد. كثير من الخريجين الجدد سيجد بعض الطرق مسدودة وبعض الأفكار قديمة والقدرات الفنية متواضعة, لذلك حان الوقت للتفكير في إدارة هذه الأجيال.
لا تزال الحكومة تقوم بالدور الأكبر والقيادي في اقتصاد المملكة، لذلك يصعب التفكير في إدارة حاسمة لهذا التحول الجيلي دون دور رئيس للحكومة، خاصة في التعامل مع المناصب الوسطى والعليا في الإدارة الحكومية.
مثال طيب يأتي في القطاع العسكري, حيث تقوم القوات المسلحة بإعطاء الفرصة للكثير وتجدد الدماء بدرجة عالية من الانتظام من خلال التقاعد المبكر. لعل القطاع المدني في جميع قطاعات الحكومة يتعلم من القوات المسلحة ويبدأ في عملية منظمة في الاستغناء عن آلاف الموظفين تدريجيا. تأتي الحلول على عدة مستويات ومراحل لضرورة قيادة عملية التحول الجيلي بسلاسة والتوازن بين الخبرة والتجديد وإعطاء الفرص. الخطوة الأولى تبدأ في إعطاء النظام الإداري درجة أعلى من الانضباط مثل تطبيق نظام التقاعد على الكل وعدم التخفي وراء أسماء مثل مستشار ومتعاقد وغيرها من ألاعيب الجهاز البيروقراطي. الخطوة الثانية في تطبيق نظام التقاعد على بعض المراتب العليا. يمكن أن يعدل نظام المراتب العليا ليصل إلى 65 عاما بزيادة خمس سنوات عن نظام وزارة الخدمة المدنية ولكنه ينتهي بالتقاعد. الخطوة الثالثة هي تفعيل الأنظمة الحكومية في التجديد لفترتين فقط دون استثناء, وأي استثناء لا يشمل أكثر من 5 في المائة من كبار موظفي الحكومة كل عشر سنوات لكيلا نغلق الباب تماما أمام المتميز.
الممارسة الحالية لا تفرق كثيرا بين المتميز والأقل تميزا, ولكن هذا قد لا يكفي لأنه قد يتعامل مع عدة مئات فقط, لذلك هناك حاجة إلى تشجيع البعض على التقاعد بمنحهم مكافآت وتطبيق الانضباط بدرجة أعلى من الشفافية خاصة فيمن لديه أعمال خاصة واضحة.
أنفقت الحكومة مليارات الريالات في التعليم عموما وخاصة برامج البعثات المكلفة ماليا, وهي بذلك رفعت المستوى العلمي والمعرفي والتوقعات. لا تكتمل الدائرة التنموية دون تدوير النخبة وطمأنة الخريجين الجدد بمصلحتهم من خلال إعطائهم فرصا متكافئة والاستفادة من الاستثمار فيهم. كما أن تقاعد الكثير من موظفي الحكومة تدريجيا سيثري القطاع الخاص. إدارة العناصر البشرية, خاصة في المستويات العليا والوسطى منها، هي ما يحدد مسيرة التنمية ولذلك فإن تدوير النخبة يحمل معاني متشعبة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي