ساحريه

هناك كلمات واضحة المعنى في نطاقها المحلي أو القبلي، رغم أن لها معنى آخر في منطقة أخرى، أو مشتقة من كلمة لها معنى مغاير، وقد يحدث بعض أو كثير من اللبس بسبب استخدام هذه الكلمات.
ومن هذه الكلمات لفظة ساحره، وهي مستعملة في نجد وخصوصا منطقة القصيم بمعنى لاطفه في الكلام حتى تقنعه، وللأنثى: ساحريه. وكان أحد علمائنا وفقهائنا الأجلاء رحمه الله من أهل منطقة القصيم يفتي في برنامج إذاعي، فاتصلت به امرأة مصرية تستفتيه في أمر زوجها، فأراد أن ينصحها باستعمال اللطف في مخاطبة زوجها ومناقشته برفق ورقة حتى تحصل على مبتغاها، فتحدث بالعامية القصيمية وقال لها: ساحريه. وهنا قاطعت المتصلة فتواه، وقالت: هل يجوز أن أسحره يا شيخ؟ عندها انتبه الشيخ ووضح لها المقصود.
وأذكر أنه جمعني مكان بعجوز أظنها من أهل الجزائر، وكنت أكح بشكل متواصل، فرحمتني العجوز وتحدثت معي بلهجة سريعة: "... ما لك تقحب"، فخاطبتها بصوت عال متعجبا: أعيدي كلامك، ويبدو أنها استغربت ارتفاع صوتي فقالت: سلامتك تكح، فقلت: لا أعيدي كلامك السابق، فأعادته. وأحمد الله أنني قرأت سابقا في كتب اللغة والفقه عن أصل كلمة (ق ح ب)، فقد ذكروا من معانيها السعال، وأن الفاجرة كانت تسعل وتنحنح أي ترمز به كي يأتيها من يريد الفجور، ولما صار السعال يتكرر من الفاجرات كرمز للقاء أطلق عليهن اللفظة المعروفة.
وكان تعجبي شديدا لسماع الكلمة، إذ بدا لي أن استخدامها للسعال مما انقرض من لسان العرب. وذكرني هذا الموقف بقصة لأحد أدباء العربية الكبار رواها لي أستاذي العلامة الدكتور عبدالرحمن العثيمين ــ رحمه الله ــ ثم رأيتها بعد ذلك في أحد المصادر، وحاولت تذكر هذا المصدر لأنقلها منه، ولكن دون فائدة، فقد فعلت عوامل التعرية بذاكرتي فعلتها. والقصة تقول: إن هذا الأديب الراوية سمع كلمة الحيزبون في بلده وأنها تعني العجوز، ولم يكن سمعها من رواة العرب قبل ذلك، فأراد التأكد من ورودها في لسان العرب، وأرشدوه إلى امرأة عجوز تحفظ أشعار العرب، فركب ناقته متوجها إليها، فلما وصل ديارها وجد صبية يلعبون، وكان معه تمرات يأكل منها، فسألهم عن العجوز التي جاء لأجلها، فقال له أحد الصبيان: أدلك عليها وتعطيني من التمرات؟ فوافق أديبنا وأعطاه تمرا، فأشار الطفل بيده إلى عجوز جالسة وقال له: هي تلك الحيزبون. في هذه اللحظة شعر صاحبنا أن لقاءه بالعجوز لا معنى له ما دام الأطفال يعرفون أن الحيزبون تعني العجوز، فامتطى ناقته وعاد من حيث أتى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي