تأثير الاحتكار في المنشآت الصغيرة
يقول جوزيف ستيجليتز الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد "يتحول الاحتكار إلى قنبلة موقوتة حين يُفقد السوقَ توازنها بين القوة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية". الاحتكار مدمرٌ على مستويات متعددة، ففي مصر - على سبيل المثال - أغلقت 47% من المنشآت الصغيرة والمتوسطة بين العامين 2020 و2023 في قطاعي التصنيع الغذائي والأدوية وفي أمريكا اللاتينية: يرتبط فشل 80% من المشاريع الصغيرة بممارسات احتكارية.
أدى الأثر الخطير في الأسواق من الاحتكار إلى فرض قوانين صارمة لحماية المنافسة والمنشآت الصغيرة بالذات من المنافسة غير المتكافئة، ما جعل الأعمال تنمو بمعدل 6 مرات أكبر من تلك التي نشأت في الأسواق التي لا توفر الحماية الكافية والدعم المناسب للمنافسة.
يمكن أن يكون الاحتكار من خلال خنق المنافس عبر الأسعار، حيث تخفض الشركات المحتكرة أسعارها إلى أقل من تكلفة الإنتاج ما يدفع صغار المنافسين للإفلاس وهذه ممارسة منتشرة حتى على مستوى أسواق الخضار والفاكهة. أدت هذه الممارسة إلى إغلاق 50% من المنشآت الصغيرة في قطاعات مثل المواد الغذائية والملابس الجاهزة خلال 3 سنوات (وفق دراسات منظمة العمل الدولية).
قد تمارس الشركات احتكار المدخلات من خلال سيطرة المحتكرين على سلاسل الإمداد سواء المواد الخام أو التقنية أو التوزيع، نتج عن ذلك حالات من ارتفاع التكاليف جعلت أسعار المواد الخام ترتفع بنسبة 65 إلى 80% مقارنة بـ 40% في الأسواق الحامية للتنافسية. قد تكون الممارسة من خلال تشويه العلاقات في السوق سواء بإنشاء علاقات حصرية مع الموردين أو منافذ البيع، أو إغراق السوق بمنتجات مدعومة أو التلاعب بقنوات التوزيع كمطالبة المتاجر الكبرى برفض منتجات المنشآت الصغيرة.
تؤدي هذه الممارسات لمخاطر أخرى غير مباشرة من أهمها التأثير السلبي في الابتكار، حيث توقف المنشآت الصغيرة تطوير منتجاتها بسبب عدم قدرتها على المنافسة في مجال البحث والتطوير، ما يفقد الاقتصاد من 15 إلى 20 وظيفة عند إغلاق أي منشأة صغيرة وهذا موثق في إحصائيات البنك الدولي. تنخفض الجودة كنتيجة لانعدام المنافسة وفي النهاية يؤدي ذلك لتدهور اقتصادي بسبب ارتباط السوق بجهة واحدة.
كل هذا استدعى العمل الجاد من قبل الدول لحماية المنشآت الصغيرة بسن قوانين منع الاحتكار كقانون حماية المنافسة السعودي الذي يمنع أي شركة من السيطرة على أكثر من 30% من السوق. كما عملت الدول على دعم حاضنات الأعمال من خلال التمويل التفضيلي والإعفاءات الضريبية وتقديم الدعم لمشاريع البحث والتطوير. توفر بعض الدول منصات التوزيع العادل لربط المنتجين الصغار بالأسواق مباشرة، إضافة إلى صناديق تمويل المشروعات الصغيرة.
لعل من المفيد إيراد بعض أهم قضايا التعويضات المالية بسبب الممارسات الاحتكارية، حيث رفعت شركة فايزر سعر دواء القلب "Propranolol" بنسبة 880% خلال 3 سنوات، ما أدى إلى تأثر 200 صيدلية مستقلة وشركات أدوية صغيرة وحكم على فايزر بغرامة بلغت 2.3 مليار دولار وتعويضات للمنشآت المتضررة بقيمة 500 مليون دولار في 2022.
احتكار "أمازون" لمنصات البيع الإلكتروني (في الاتحاد الأوروبي) ما أدى إلى إجبار البائعين الصغار على استخدام خدمات "الشحن والدفع" التابعة لأمازون فقط وبلغ عدد المتضررين 8,000 متجر أوروبي صغير وحكم على أمازون بغرامة 1.3مليار يورو وصندوق تعويضات بقيمة 300 مليون يورو في 2023.
محاولة "جوجل" محاربة مطوري التطبيقات في الولايات المتحدة الأمريكية من خلال فرض عمولة 30% على متجر "Play Store" وإخفاء تطبيقات المنافسين. تضرر من القرار 50,000 مطور تطبيقات صغير وحكم على الشركة بغرامة 700 مليون وخفض العمولة إلى 15% في 2023.
ومن أهم قضايا الاحتكار في العالم العربي قضية احتكار "أدوية مصر" لتوريد علاج التهاب الكبد "سوفوسبوفير" ورفع سعره من 1,500 إلى 25,000 جنيه للعلبة. حيث تضرر عدد كبير من المرضى و100 عيادة متخصصة، وحكم على الشركة بتعويضات بلغت 900 مليون جنيه وإلغاء الترخيص في 2020.
أما أكبر تعويض في التاريخ فقد كان ضد شركة مايكروسوفت في 2001 التي أجبرت الشركات الصغيرة على تثبيت Internet Explorer" " مع نظام Windows وتضررت 5,000 شركة برمجيات ناشئة بسبب القرار وبلغت قيمة التعويض 11 مليار دولار تم توزيعها حتى 2019. مع الأسف ما يزال 70% من المنشآت الصغيرة مستهدفة ولكنها لا تطالب بحقوقها بسبب جهل إجرائي أو ضغوط المحتكرين.
كاتب اقتصادي