أمريكا تستقطب أموالا ضخمة من دول الخليج

[email protected]

أكتب هذا المقال من العاصمة الأمريكية (واشنطن) حيث أشارك في دورة متقدمة لكسب مهارات العمل البرلماني. و شاءت الصدف أن أكتب حول تقرير صادر من قبل معهد التمويل الدولي الذي يتخذ من العاصمة الأمريكية مقرا له. يضم المعهد الذي تأسس في العام 1983 أكثر من 320 مؤسسة مالية تتخذ من أكثر من 60 بلدا في العالم مقرا لها.
استنادا إلى التقرير الذي صدر حديثا, بلغت قيمة الفوائض المالية لدول مجلس التعاون الخليجي نحو 542 مليار دولار في الفترة ما بين 2002 و2006. حقيقة القول حصلت دول المجلس على عوائد تفوق 1.500 مليار دولار في هذه الفترة بيد أنه ذهب القسم الأكبر من هذه الأموال لتغطية الواردات.

300 مليار دولار إلى أمريكا

حسب التقرير, استحوذت الولايات المتحدة على نحو 300 مليار دولار من أموال دول مجلس التعاون في فترة السنوات الخمس مقابل 100 مليار دولار لأوروبا و 60 مليار دولار أخرى لأسيا. بل ربما نجحت الولايات المتحدة في استقطاب أموال أكثر من الفترة التي سبقت جريمة الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001. ومرد ذلك ضخامة الأموال التي توافرت في السنوات القليلة الماضية وذلك على خلفية ارتفاع أسعار النفط وبقائها مرتفعة. على كل حال كان لا بد من توظيف السيولة النفطية سواء في استثمارات محلية أو أجنبية.
تتركز الأموال في الأصول المقومة بالدولار الأمريكي على حساب الودائع المصرفية. ولا توجد غرابة في هذه المسألة نظرا لمحدودية معدلات الفائدة. بل إن معدلات الفائدة المصرفية بالكاد تغطي إحصاءات التضخم.
وحسب التقرير أيضا تعد دول مجلس التعاون مصدرا حيويا للفوائض المالية في العالم بسبب الإيرادات النفطية. بل باتت الدول الست مجتمعة منافسة للصين فيما يخص الفوائض في التجارة الدولية. فقد حققت دول التعاون فائضا قدره 200 مليار دولار في تجارتها الخارجية مقابل 177 مليار دولار حجم الفائض التجاري للصين (يشار إلى أن الصين تمتعت بفائض قدره 250 مليار دولار في تجارتها مع أمريكا بيد أنه بدورها عانت عجزا مع بعض الدول الأخرى).

منافسة الصين

استنادا إلى تقرير معهد التمويل الدولي, تمتلك دول مجلس التعاون أصولا بقيمة 1.600 مليار دولار. بالمقارنة, تمتلك الصين احتياطيا يقدر بنحو 1.100 مليار دولار حيث توظف جانبا كبيرا نسبيا من هذه الأموال لشراء أذونات الخزانة وسندات أخرى تصدرها الحكومة الأمريكية. وترى الصين لزاما عليها شراء هذه الأدوات الاستثمارية نظرا لتمتعها بفائض مالي ضخم في تجارتها البينية مع الولايات المتحدة. ويقال إن واشنطن غير منزعجة بشكل جوهري من نتيجة تجارتها مع الصين نظرا لأن الأخيرة تقوم بتوظيف جانب من الفائض في الولايات المتحدة.
تجدر الإشارة إلى أن مبلغ 300 مليار دولار المشار إليه ذهب إلى الولايات المتحدة في غضون السنوات الخمس الأخيرة. في الحقيقة تزيد قيمة الأصول التي تمتلكها دول المجلس على هذا الرقم لكن لا يعرف على وجه الدقة حجم هذه الاستثمارات.
السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما سر نجاح الولايات المتحدة في استقطاب أموال ضخمة من دول الخليج؟ باختصار يكمن السر في قوة الاقتصاد الأمريكي, حيث تزيد قيمة الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة على 12 ألف مليار دولار أي أكثر من ضعف حجم الاقتصاد الياباني الذي بدوره يحتل المرتبة الثانية في العالم. كما يتمتع الاقتصاد الأمريكي بديناميكية متميزة نظرا لقدرتها على جلب استثمارات من كل حدب وصوب. ذكر لي أحد المصرفيين ذات مرة أن مصرفه الاستثماري يفضل الاستثمار في أمريكا أكثر من أي بلد آخر لسبب جوهري وهو إمكانية الشراء من جهة والبيع من جهة أخرى بشكل ميسر نسبيا. وأوضح أن خاصية البيع بسهولة لا تتوافر في كل الاقتصاديات ومرد ذلك توافر السيولة القادمة من مختلف بقاع العالم.

تحويلات العمال إلى الخارج

إضافة إلى ذلك, تعاني دول مجلس التعاون ظاهرة قيام العمال الأجانب بإرسال أموال طائلة سنويا إلى الخارج. بل تحتل دول مجلس التعاون الخليجي المرتبة الثانية في العالم فيما يخص قيمة الأموال التي يرسلها العمال الأجانب إلى الخارج. حسب تقرير منسوب لشركة (ويسترن يونيون المتخصصة في مجال تحويل الأموال) أرسل العمال الأجانب نحو 59 مليار دولار من دول مجلس التعاون عام 2005. ويمثل هذا الرقم نحو 24 في المائة من إجمالي التحويلات في العالم. كما شكلت قيمة الأموال المرسلة من المملكة العربية السعودية 7 في المائة من الإجمالي العالمي وعليه حلت في المرتبة الثانية عالميا مباشرة بعد الولايات المتحدة الأمريكية.
ختاما، المطلوب من دول مجلس التعاون تعزيز الفرص الاستثمارية في اقتصادياتها حتى يتسنى لها استقطاب الأموال المملوكة لحكومات ورعايا دول المجلس. والحال نفسه ينطبق على إقناع العمالة الأجنبية بتوظيف جانب من أموالها داخل الاقتصاديات المحلية. المعروف أن رأس المال جبان ويبحث عن أفضل العروض الاستثمارية ولا يعترف بالحدود.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي