تأسيس المملكة في عام 1902 وليس 1932

في الشهر الماضي عاش الشعب السعودي - من أقصاه إلى أقصاه - فرحة اليوم الوطني، والحقيقة من الأشياء الجميلة التي تركتها فينا هذه الاحتفالية هو تجديد الشعور بالوحدة والولاء للوطن.
ولكن المؤسف أن الإعلام السعودي ارتكب أخطاء عدة في التعبير عن هذه المناسبة العزيزة والغالية على نفوسنا جميعا، فالإعلام يذكر تاريخ الأمر الملكي على أساس أنه تاريخ تأسيس المملكة العربية السعودية، وأنه إعلان للوحدة الوطنية في مملكة الملك عبد العزيز.
وطبعا هذا غير صحيح، وهو خطأ غير مقصود في التاريخ، وخطأ غير مقصود في المناسبة.
إن تاريخ تأسيس المملكة العربية السعودية هو 13 كانون الثاني (يناير) 1902 (4 شوال 1319هـ) يوم أن تحققت المعجزة وقفز الملك عبد العزيز ورجاله الأبطال سور الرياض، وخاضوا معركة بطولية لاستعادة العاصمة الرياض من حكم عامل آل الرشيد (عجلان)، ويجب أن نتذكر أننا احتفلنا بمناسبة مرور مائة عام على تأسيس المملكة العربية السعودية (المئوية) في سنة 2002.
إذن تاريخ تأسيس المملكة العربية السعودية هو الموافق ليوم 13 كانون الثاني (يناير) 1902 (4 شوال 1319هـ)، أما تاريخ 18 أيلول (سبتمبر) 1932 (17 جمادى الآخرة 1351هـ) فهو تاريخ لتعديل اسم مملكة الملك عبد العزيز كي يعبر اسم المملكة العربية السعودية تعبيرا دقيقا عن هذه المملكة الفتية التي نتفيأ ظلالها وننشد لها - بإذن الله - الخلود والازدهار.
ولو رجعنا إلى نصوص المواد (3 و4 و5) في الأمر الملكي رقم 2716 وتاريخ 18 أيلول (سبتمبر) 1932 (17 جمادى الآخرة 1351هـ) للاحظنا أن الأمر الملكي أكد أنه لا يكون لهذا التحول أي تأثير في سائر التشكيلات الحكومية والأنظمة والتعليمات والأوامر التي تظل كما هي نافذة المفعول، كذلك لا يكون لها تأثير في المعاهدات والاتفاقات والالتزامات الدولية، أي أن الأمر الملكي يؤكد أنه عملية تغيير في الاسم وليس تغييرا في الهوية التي حملت راية التوحيد والوحدة منذ استعادة العاصمة الرياض، وهذا بلا شك لا يؤثر - بأي حال من الأحوال - على تاريخ التأسيس، ولا يؤثر في علاقة الدولة بعالمها الداخلي والخارجي.
ونحن نعرف أن جميع الدول تمر بمرحلة تغيير اسمها دون أي تأثير على تاريخ تأسيسها، وهذه جمهورية مصر العربية - على سبيل المثال - التي كانت المملكة المصرية، ثم الجمهورية المصرية، ثم الجمهورية العربية المتحدة، وأخيرا أطلق عليها الرئيس محمد أنور السادات اسم جمهورية مصر العربية.
وخلال هذا الحشد من التغييرات في اسم الدولة لم يقل أحد إن مصر تأسست في عهد السادات، ولا في عهد عبد الناصر، ولا في عصر الملك فاروق ، بل هم يقولون - وما زالوا يقولون - إن عمر مصر أكثر من سبعة آلاف سنة.
أما ما يتعلق بالوحدة الوطنية فالوحدة الوطنية أرسى دعائمها الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - منذ اللحظة التي كتب الله له النصر ودانت له العاصمة الرياض وتربع على عرشها، ثم نزل المنادي في شوارع الرياض يقول: الحكم لله ثم للملك عبد العزيز آل سعود، ثم أكد الملك عبد العزيز لأهالي الرياض أنه استعاد ملك الآباء والأجداد، وأن الأمن والأمان مكفول للجميع، وأن الشريعة الإسلامية هي دستور الحكم، وكرر الملك عبد العزيز المعنى نفسه حينما دخل محرما مكة المكرمة فأصدر بلاغا جاء فيه: إن دستور مملكته هو شريعة الله كما وردت في القرآن الكريم والسنة المطهرة، وأنه لا سبيل إلى الأخذ بأي شيء يخالف هذه الشريعة مهما كان صغيرا أو كبيرا، ثم أكد الملك عبد العزيز - رحمه الله - أن حق المسلمين عليه أن يصون أرضهم وعرضهم ومالهم، وأنه لن يسن نظاما إلاّ متسقا مع مبادئ الشريعة الإسلامية وأن الأمر شورى.
إذن المملكة ليست دولة تأسست في عام 1932 وإنما هي دولة تأسست في عام 1902، أي تأسست قبل مائة واثنتي عشرة سنة وليس قبل أربعة وثمانين عاما.
الشيء المؤسف أن الإعلام الدولي أخذ من الإعلام السعودي هذه الأخطاء غير المقصودة، وجعل المملكة العربية السعودية تفقد أجزاء غالية من تاريخها المجيد الذي يتضمن جهاد وجهود الملك عبد العزيز ورجاله الأشاوس في تأسيس كل أطراف هذه المملكة الفتية، ثم البرامج التنموية الواسعة التي نقلت المملكة العربية السعودية إلى العالم المتقدم.
إن المملكة العربية السعودية دولة عريقة لا يمكن أن تفرط في ثلاثين سنة من تاريخها الحديث، لأن تاريخها كل لا يتجزأ ويجب أن يدركه الإعلام السعودي قبل أي إعلام آخر، ومعروف أن خطأ الإنسان في تاريخه يحاسب عليه أكثر من خطئه في تاريخ الآخرين.
إنني أرجو من وزارة الثقافة والإعلام أن تنبه في المناسبات الوطنية القادمة بأن تاريخ تأسيس المملكة العربية السعودية يعود إلى أكثر من مائة واثنتي عشرة سنة خلت وليس أربعة وثمانين عاما ونيفا!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي