جو الرياض .. ومظهر جديد
شهدت مدينة الرياض خلال نيسان (أبريل) الماضي أجواء طقسية غير مستقرة وغير مألوفة خلال فترتي النهار والليل تتسم بتنوع غريب في عناصر الطقس وتجمع بين مزايا أجواء الفصول الأربعة في قارات العالم الست.
ويشعر المواطن مع فجر اليوم بنسمة هادئة تذكره بتلك النسمات التي تهب على المنتجعات الإسبانية على شاطئ الأطلنطي، ولكن مع انتصاف النهار في الظهيرة يزداد شعوره بحرارة الجو مع وجود رياح محملة بالأتربة العالقة والغبار الكثيف، كما لو كان في الصحراء الكبرى في قلب إفريقيا. ثم يسود في فترة ما بعد العصر جو ضبابي تحجب فيه الشمس كما لو كان ضباب لندن المعروف – مع الفارق – يعقب ذلك ولفترة محدودة لا تتجاوز بضع دقائق رياح شديدة هوجاء أدت فعلاً إلى اقتلاع بعض الأشجار العجوز لتهب بعدها أمطار غزيرة شديدة الانصباب قد تكون على هيئة وابل أو صيب مصحوباً بالرعد والبرق كالتي تصب على جزر الهند الشرقية خلال فترة الأمطار الموسمية. ومع انتهاء صلاة المغرب تهدأ الأمور تماماً ويصفو الجو ونرى اعتدالا مع لمسة من الجو البارد يمتد إلى نهاية الليل وهو أقرب ما يمكن لليالي الشتاء المنعشة في المدن الممتدة على ساحل البحر الأبيض المتوسط.
وهنا تبرز في ذهن المواطن العديد من التساؤلات:
- ما تفسير تلك التغيرات المتسارعة في أجواء الرياض، وهل يتوقع أن يكتسب طقس الرياض مظهراً جديداً: نيو لوك New Look؟
- هل هناك علاقة ما تربط بين تلك التغيرات التي تشهدها مدينة الرياض ومع ما يثار عن التغيرات المناخية عل المستوى الدولي؟
- هل التغيرات المناخية ظاهرة طبيعية أم للإنسان دور في تأصيلها؟
- كيف يمكن مواجهة تحديات التغيرات المناخية على المستويات القيادية والعلمية والإعلامية كافة؟
- هل تسهم تلك التغيرات المناخية سلباً أم إيجاباً على الاقتصاد العالمي؟
بداية.. نشير إلى موضوع التغيرات المناخية على كوكب الأرض، موضوع قديم – حديث وهو محل اهتمام علماء الجيولوجيا ودارسي علم المناخ القديم Paleoclimatology الذين يتابعون مراحل التغير المناخي على الأرض منذ الماضي السحيق قبل ظهور الحياة البدائية منذ أكثر من (500) مليون سنة مضت مروراً بالأحداث التي أعقبت ذلك في التاريخ الجيولوجي في أحقاب الحياة القديمة والمتوسطة والحديثة والتي سادت فيها أو انقرضت فيها أنواع مختلفة من الحياة النباتية أو الحيوانية – ومن أشهرها انقراض الديناصورات والغابات العملاقة – ومرحلة العصور الجليدية خلال الـ 50 عاماً الماضية وحتى مرحلة العصر الراهن.
وتُعرف الموسوعات الحديثة التغيرات المناخية بأنها التغيرات التي تحدث في مناخ الأرض عالمياً أو إقليمياً على مستوى عشرات السنين أو ملايين السنين، وأن تلك التغيرات قد تحدث بسبب عمليات داخلية في باطن الأرض (الزلازل والبراكين...) أو عمليات خارجية (التغير في شدة ضوء الشمس كمثال...) أو نتيجة الأنشطة الإنسانية.. ويعني ذلك أن التغيرات المناخية طبقاً للمفهوم الحديث ليست نتاج التقلبات المناخية الطبيعية فحسب بل إن الأنشطة الإنسانية المباشرة أو غير المباشرة دوراً في تفعيلها وهذا هو لب القضية وجوهرها، فالممارسات الإنسانية اليومية للأجهزة المنزلية والاستخدام المكثف للوقود الأحفوري في الآليات والمحركات الميكانيكية وغيرها، واستنزاف الإنسان الموارد الطبيعية والحياة الفطرية بطريقة خاطئة خاصة خلال العقود الستة الماضية – بعد الحرب العالمية الثانية - أدت إلى تدهور بيئي ملحوظ لكوكبنا، من أبرز ملامحه زيادة الانبعاثات الغازية Gases Emissions خاصة غازات الكربون وارتفاع درجة الحرارة أو ما يعرف بالاحترار العالمي Global Warming واتساع ثقب الأوزون Ozone Hole وذوبان الغطاء الثلجي – الثلاجات Glaciers Melting. وكان لذلك انعكاسات مؤثرة على الأقاليم المناخية زادت من احتمالات الاحترار اليومي والجفاف والأمطار المفاجئة وأيضاً ارتفاع مستوى سطح البحر في المناطق الساحلية وتعرضها للمد البحري.
ونتيجة لهذه الظواهر المستجدة فقد زاد اهتمام العالم بموضوع التغيرات المناخية، ليس من صناع القرار والمخططين فحسب، بل للمواطن العادي. فهذه الظواهر تمثل تهديداً للحياة البشرية بصورة عامة لما لها من تأثير على صحة الإنسان وأمنه الغذائي وحصوله على المياه، وقد يؤدي إلى الهجرة الجماعية، ناهيك عما يسببه ذلك من تهديد للأمن والسلام العالمي.
وتنتشر في دول العالم حالياً العديد من مراكز الأبحاث العلمية المتخصصة تبحث في (علم) التغير المناخي Climate Change Science والتي تهدف إلى إيجاد تحليلات علمية لمصطلحات التغير المناخي والبحث عن حلول للحد منها، والعمل على إيصال المعرفة إلى صناع القرار وزيادة التوعية الإعلامية. وهناك العديد من الوسائل التي يستخدمها العلماء كأدلة لمعرفة التغيرات المناخية وقياسها من خلال مراجعة القياسات المناخية وإعادة تقويم التسجيلات التاريخية لعناصر الطقس (خاصة درجة الحرارة) أو ما يعرف علمياً بـ Dendrochronology وكذلك قياس سُمك الجليد وتراجعه Glacial Retreat أو من قياس ومتابعة تغير مستوى سطح البحر والتقلبات البحرية، والتغير في الغطاء النباتي والتنوع البيولوجي. كما أن هناك وسائل (طريفة) أخرى ولكنها (مؤكدة) لمعرفة مدى التغيرات المناخية مع الزمن وتأثيرها الحيوي، منها قياس التغير الذي يحدث في شكل حبوب اللقاح Pollen Grains ومقاومتها للتعفن والتحلل إذا وجدت في مستنقع خال من الأوكسجين، وكذلك تتبع وجود بقايا الخنافس Beetles Remains في المياه العذبة أو الرواسب الطينية.
وهناك اجتماع بين الاقتصاديين الدوليين على أن هناك تأثيرات سلبية من جراء التغيرات المناخية المتوقعة على الاقتصاد العالمي خلال العقود المقبلة. وهناك دراسات أعدت من قبل البنك الدولي في تشرين الأول (أكتوبر) 2006م تحذر من أن التغير المناخي يمكن أن يؤدي إلى "انكماش في الاقتصاد العالمي" بنسبة (20 في المائة) يضارع في وطأته "الركود الكبير" في القرن الماضي.
ولقد أخذ موضوع التغير المناخي أهمية دولية منذ توقيع بروتوكول كيوتو Kyoto Protocol في كانون الأول (ديسمبر) 1997م، الذي تحدده اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للتغير المناخي .. ويُلزم هذا البروتوكول مجموعة الدول بوضع السياسات والإجراءات اللازمة لتقليل الانبعاثات من أجل تعزيز التنمية المستدامة بما في ذلك رفع كفاءة استخدام الطاقة وجميع القطاعات التنموية كالزراعة والنقل وغيرها. ومن حسن الطالع أن هناك استجابة عالمية لذلك فقد دخل بروتوكول كيوتو الآن حيز التنفيذ – كما أكد ذلك بيان الأمين العام للأمم المتحدة في مؤتمر نيروبي بكينيا في تشرين الثاني (نوفمبر) 2006م – وتشكلت آلية ذلك من ست وكالات تابعة للأمم المتحدة وتم إعلان (إطار نيروبي) كخطة عمل لمساعدة البلدان النامية خاصة الإفريقية للمشاركة في آلية التنمية النظيفة وتشجيع الدول المانحة على المبادرة في نجاح الخطة من خلال البدء في إيقاف الانبعاثات واستخدام الطاقة المتجددة وتقديم حزمة تنموية مناسبة للدول النامية والفقيرة.
ونأمل أن يؤدي ذلك في المستقبل القريب إلى إيقاف التدهور البيئي الناتج من التغيرات المناخية وأن يكتسب الطقس العالمي نيو- لوك يتسم بالاستقرار والهدوء.
خبير في برنامج الأمم المتحدة للمعونة الفنية (سابقاً)