معالم الجودة.. في التجربة الكورية (1 من 5)
بحمد الله قد شاركت في زيارة علمية استثنائية متميزة مع فريق من أعضاء اللجنة التنفيذية في المجلس السعودي للجودة لجمهورية كوريا الجنوبية في بداية هذا الشهر ولمدة خمسة أيام بالتعاون والتنسيق مع منظمة المواصفات الكورية للاطلاع على أفضل الممارسات للشركات الكورية في مجال إدارة الجودة وتطبيقاتها المختلفة. وإيمانا من أعضاء الرحلة بالفائدة المرجوة من هذه الزيارة المجدولة منذ عدة أشهر كانت تكاليف الرحلة على حسابهم الخاص فكان لهم ما أرادوا وفوق ما توقعوا وأرادوا، ولم يخيب الله رجاءهم خاصة مع حسن التخطيط وسلامة المقصد. وفي الحقيقة إن الزيارات العلمية المتخصصة والبرامج الموجهة الهادفة والتي يرافقها تنظيم دقيق لبعض الدول والجهات المتقدمة مع الحرص على ثوابتنا الدينية ومبادئنا الوطنية، تعد استثماراً مميزاً لنقل العلوم والمعارف والممارسات العلمية والتقنية والإدارية، وقد يفوق أثرها ونفعها كثيراً من البرامج التدريبية المكلفة. هذا بعينه ما تمت ملامسته من جميع أفراد الوفد الذي كان يتميز بالثراء المعرفي العميق في إدارة الجودة والخبرة العملية في التطبيقات المختلفة في مجالها مع سمعة دولية للمجلس السعودي للجودة واسعة الانتشار، أثمر عن نتائج إيجابية بارزة وفوائد علمية وعملية عميقة وانطباع إيجابي من قبل الزملاء المرافقين في الرحلة ومن قبل الكوريين أنفسهم الذين تفاجأوا مما وجدوه من معرفة تواكب المعرفة العالمية في علوم الجودة وفهم لها من قبل أعضاء الفريق، حتى أن بعض الشركات على الرغم من دقة حرصهم على سرية المواقع والمعلومات التي صرحوا بأنهم قد خصوا بها المجلس وأعضاءه وسمحوا لهم بالاطلاع عليها بصورة غير مسبوقة، وسيأتي الحديث عن بعضها لاحقا.
هذا وقد زار الفريق عدة شركات كورية عالمية ومنظمات حكومية تختص بعلوم الجودة في عدة مدن مختلفة متباعدة في المسافات عانى فيها الفريق التعب والنصب حتى أن بعض الرحلات فاقت سبع ساعات حتى يتم الوصول إليها مضطرين للمبيت بعيداً عن مقر الإقامة من أجل العلم والفائدة. ومن أشهر هذه الشركات العريقة التي تمت زيارتها شركتا سامسونج وهونداي وشركة LSIS التي هي في الحقيقة شركة إل جي LG، وكذلك منظمة المواصفات الكورية وجمعية الجودة الكورية.
وكما أسلفت فقد حصل الفريق على فوائد جمة لا تحصى قد لا توجد في بطون كتب الجودة ولا في ثنايا عروض المحاضرات والمؤتمرات، آملين جميعاً أن يكون لهذه الفوائد أثر إيجابي فينا كأفراد متخصصين في إدارة الجودة أو في منظماتنا التي نعمل فيها أو في بلادنا الغالية. ونظراً لطبيعة المقالات ومحدوديتها أكتفي بذكر أبرز هذه الفوائد أقدمها على طبق شهي للقراء الكرام بمختلف تخصصاتهم ومواقعهم العلمية والقيادية .. وهي كما يلي:
- إن جودة المنتجات هي سر نجاح الشركات الكورية والذي تحول إلى اقتناع ورضا وإقبال عالمي على المنتجات الكورية كمنتجات شركة سامسونج المختلفة وسيارات شركة هونداي وأجهزة إل جي الكهربائية مثلا. وكما أن الجودة كانت سبباً في صناعة تاريخ اليابان المعاصر حيث أصبحت منتجاتها عنواناً للجودة، بل إن اليابان والجودة أصبحا وجهين لعملة واحدة. ومن صور اهتمام الشركات الكورية بالجودة، كثافة الدورات التدريبية للعاملين وعلى رأسهم القيادات الإدارية، وكذلك توثيق جميع العمليات وتحسينها بصورة مستمرة لا تقبل التنازل، ومنها وضع مؤشرات أداء دقيقة لمتابعة الإنجاز والجودة للنظام والعمليات والمنتجات والأفراد. رافق ذلك اهتمام واضح بإدارات وأقسام الجودة وتوفير جميع الموارد لها ومن ضمنها الكفاءات البشرية. وقد لاحظنا أن أغلب الشركات الكورية التي تمت زيارتها تخصص لإدارة الجودة ما نسبته 5 إلى 10 في المائة من مجموع العاملين وهذا ما أثار إعجابنا وتعجبنا في الوقت نفسه.
- الاهتمام بالإنسان كأهم عنصر في نجاح المنظمات وتقدمها وتطورها وهذا أمر غاية في الأهمية، وكما يقال لن تستطيع المنظمات إرضاء العميل الخارجي دون أن ترضي العميل الداخلي. وهذا الذي بنت عليه كوريا الجنوبية ومنظماتها الوطنية استراتيجياتها وتوجهاتها فتحولت من شركات محلية إلى إمبراطوريات صناعية عالمية فها هي شركتا سامسونج وهونداي المذهلتان خير شاهد.
- إن الاهتمام بمفهوم ونظم ضبط الجودة QC للمنتجات هو أحد أسرار جودة المنتجات الكورية بل وحتى اليابانية مع تعزيز والتأكيد على أهمية مفهوم ونظم توكيد الجودة QA، وهما ــــ أي ضبط الجودة وتوكيد الجودة ـــــ بلا شك جناحا طائر للمنظمات إذا اختل أحدهما اختل تحليق الطائر. إن عودة المنظمات إلى فهم وتطبيق نظم ضبط الجودة هو من العودة إلى الأصول كما يقال. ومن أمثلة ما وقفتا عليه اهتمامهم بمفهوم الجودة الياباني حلقات الجودة والتي خصصت لها الجمعية الكورية للجودة 250 جائزة سنوية. أما اهتمام المختصين والمهتمين هذه الأيام بنظم توكيد الجودة المتمثل في المواصفات العالمية للمنظمة الدولية ISO، وكذلك بمعايير التميُّز المؤسسي فيبقى ضرورة ماسة ومحمدة مؤكدة ندعو لها ونساهم في نشرها ونؤكد على أهميتها. ولكن الخطأ هو تجاهل والتقصير في تطبيق نظم ضبط جودة المنتجات في جميع مراحل الإنتاج ابتداءً بمرحلة التصميم ومروراً بالتصنيع وانتهاء بخدمات ما بعد البيع، يعد خللاً كبيراً في منظومة تطبيق الجودة والحصول على ثمارها ونتائجها المأمولة.
ونكمل بقية صيد فوائد وفرائد الجودة في المقال القادم بإذن الله تعالى.