الاستثمار الأجنبي وتدوير الأموال الخليجية في الخليج
استطعنا اللحاق بركب منظمة التجارة وتعجلنا في إصدار عديد من الأنظمة، في مقدمتها نظام الاستثمار الأجنبي الذي فاخرنا به وبما يقدمه للمستثمرين الأجانب من مزايا، حتى بدونا كأننا في حاجة إلى هؤلاء المستثمرين الذين سيقدمون طوق النجاة لاقتصادنا الوطني، وكان هناك تدوين لأرقام وحجم الاستثمار الأجنبي في المملكة في حين لم يكن أحد يشاهد سوى مخاطرين ومغامرين وباحثين عن الرزق في بلاد النفط، بل على هامش أبسط الأنشطة التجارية، ورغم النقد الذي طال الفكرة بكاملها والرغبة في إعادة قراءة الوضع الاستثماري لغير السعوديين في المملكة إلا أن دفاعا مستميتا كان يتم لمنع أي محاولة من هذا النوع.
وكان لمجلس الشورى في الواقع تصور من صميم الواقع عن حال المستثمرين الأجانب في المملكة، وتلك المرحلة التي يجب أن تتوقف لإعادة التقييم، وفعلا جاءت إدارة جديدة للهيئة العامة للاستثمار بتصور مختلف ووضعت في أولوياتها فحص واقع المستثمرين الأجانب وتصحيح أوضاعهم، فمن لديه ترخيص ليحظى بمزية عن غيره لم ينفعه ترخيصه ما لم يكن لديه عمل حقيقي يمثل إضافة للسوق المحلية والاقتصاد الوطني، وأعطت مهلة لن يستفيد منها سوى الجادين فقط، ومن لديهم المقدرة والكفاءة للعمل في المملكة، وستنتهي المهلة بنهاية شهر رجب وبعدها لن يتم إعطاء مزايا لمن لا شيء لديه يقدمه لاقتصادنا الوطني.
لقد جاء نظام الاستثمار الأجنبي ليفتح الباب أمام المستثمرين غير السعوديين في الأنشطة المسموح بها، لكن بالشروط والقيود التي نصت عليها الأنظمة، وأهمها الجدية في الاستثمار وتحقيق مصلحة اقتصادية تستهدفها الأنظمة واللوائح مع مصلحة المستثمر. وكان من المفترض أن يسهم هذا التحديث الكبير في المركز القانوني للمستثمرين الأجانب في مكافحة كل الصور والأشكال غير القانونية، التي ظهرت في ظل أنظمة الاستثمار السابقة، لكن الداء قديم، والكثير من المستثمرين يريدون فرصا غير مكلفة وغير منتجة وغير نافعة للاقتصاد الوطني، إنهم يريدون ما يدر عليهم دخلا بأي شكل كان.
من جانب آخر، ليس غريبا أن يتصدر المستثمرون السعوديون قائمة الممارسين لمختلف الأنشطة الاقتصادية في دول مجلس التعاون الخليجي، فهؤلاء يتمتعون بقدرات استثمارية عالية مقارنة بنظرائهم الخليجيين، وسط فرص استثمارية متنوعة في جميع دول المجلس، خصوصاً في ظل الحراك التنموي الذي يجري في هذه الدول، إلى جانب الانفتاح المطلوب لجذب الاستثمارات بكل أشكالها، واللافت أن الدول الخليجية الأكثر انفتاحاً على الصعيد الاستثماري، هي التي استحوذت على النسبة الأكثر من استثمارات السعوديين. لذلك فلا غرابة في أن يتوصل التقرير الأخير الذي صدر عن الأمانة العامة لمجلس التعاون إلى أن الإمارات تجتذب نحو 85 في المائة من رؤوس الأموال، وأنها منحت العدد الأكبر من التراخيص اللازمة للسعوديين وغيرهم.
ليس هناك أفضل من تدوير الأموال الخليجية في الخليج، خصوصاً أنها تحقق العوائد الحقيقية. واندفاع هذه النسبة من السعوديين باتجاه المنطقة، ينبغي أن يقابله اندفاع استثماري خليجي نحو المملكة، التي تشهد تنفيذ أكبر الاستراتيجيات التنموية قاطبة، وتصنع في طريقها اقتصاداً مختلفاً عن الاقتصاد في مراحله السابقة. والتجربة الإماراتية في استقطاب الاستثمارات بكل أشكالها، بما في ذلك تسهيل منح التراخيص التي لا تتعارض مع القوانين المعمول بها، يمكن أن تشكل مؤشراً للتحرك نحو مزيد من التحرير للحراك الاستثماري في كل البلدان الأخرى في مجلس التعاون.