هل هي ثورة الصخري أم ثورة الأسعار؟

أطلقوا عليها "ثورة النفط الصخري أو ثورة الغاز الصخري". فلماذا يا تُرى خصوا هذه المرحلة من إنتاج نوع من النفوط غير التقليدية ووصفوها بأنها ثورة، وما هي في الواقع بثورة؟ فهي مجرد مصدر من مصادر الطاقة قد حان وقت استغلالها. وهناك عدة أسباب أسهمت مجتمعة في تكوين هذه الهالة التي أحاطت بموضوع كان من المفروض أن يمر كغيره مَرَّ الكرام. السبب الأول، أن بداية إنتاج الغاز والنفط الصخري كانت في بلد العجائب أمريكا، حيث توافر جميع عوامل النجاح من أجهزة الحفر والمعدات الثقيلة والموارد البشرية والاستثمارات المالية والهالة الإعلامية وكثافة استخدام مصادر الطاقة. والثاني، وهو بذاته من أهم العوامل، بلوغ أسعار المشتقات النفطية مستوى يسمح بالاستثمار في مصادر جديدة لا تزيد تكلفة إنتاجها على أسعار بيع المصادر التقليدية، مع وجود هامش بسيط للربح. والسبب الثالث، هو استغلال الإعلام الأمريكي القوي للوضع النفسي الذي تعيشه الشعوب، داخل الولايات المتحدة وخارجها، حول مستقبل مصادر الطاقة التقليدية الرخيصة التي بلغت ذروتها. فحمل راية البشرى بأن الأمور لا تزال بخير وأن الصخور "الصماء" ليست بصماء، بل هي حبلى بكميات هائلة من النفط والغاز الذي سوف يدوم سنين طويلة. ولكن مروجو هذه الفكرة لم يكملوا القصة ويذكروا أن الكميات محدودة وأن التكلفة خيالية وأن إنتاج الصخري سوف يكون وسيلة لبقاء أسعار النفط عند مستواها الحالي فما فوق. وهذا هو هدف رئيس لمنتِجي النفوط التقليدية. والرابع، توهم الأوساط الرسمية في الولايات المتحدة أنه بإمكانهم الاستغناء عن استيراد الخام والمشتقات النفطية من الشرق الأوسط، وهو حلم ظل يراود مخيلاتهم منذ عقود طويلة، ورغبة في الاستقلال عن هيمنة دول صغيرة تقبع في صحارى الشرق الأوسط.. والسبب الخامس اقتصادي، ويتعلق بتوفير مليارات الدولارات وصرفها داخل أمريكا الشمالية، مع توفير مئات الآلاف من الوظائف المحلية وإنعاش مناطق الإنتاج اقتصاديا. ونحن لا نلومهم ولا نعتب عليهم، فهذا شأنهم ومن حقهم أن يحتفلوا بقدومه. ولكننا لا نتفق مع رؤية البعض منهم بأن النفط أو الغاز الصخري سيقلب علينا "الطاولة"، نحن منتجي التقليدي الرخيص ويكون سببا في انخفاض الأسعار إلى ما دون 40 دولارا للبرميل ــ كما تنبأ أحدهم. ونحن نعلم أن تكلفة إنتاج النفط الصخري عند معدل 80 دولارا للبرميل، مما يجعل الظن بهبوط الأسعار غير منطقي. كما نود أن نذكر القارئ الكريم بأن ما يسمونه ثورة النفط الصخري، ما هو إلا نتيجة لثورة الأسعار التي جاوزت 100 دولار للبرميل، ولولا ذلك لما أصبح بالإمكان إنتاج برميل واحد من الصخري. ونحن ليس لدينا أدنى شك في أن سعر برميل النفط سيتخطى 150 دولارا للبرميل في غضون سنوات، تجاوبا مع ارتفاع الطلب وانخفاض كميات الإنتاج. ومن هناك سيكون المجتمع الدولي في حاجة إلى مزيد من مصادر الطاقة. وسيجد نفسه وجها لوجه مع مصادر جديدة ومكلفة نسبيا. ولكن ليس لدى العالم اختيارات كثيرة وسيضطر إلى التكيف مع أي سعر يمليه الواقع على المجتمع الدولي. وأول ما يخطر على البال، إلى جانب المصادر المتجددة، الصخر النفطي، وهو غير النفط الصخري الموجود في عدة دول من العالم بكميات كبيرة. وتأتي الولايات المتحدة في المقدمة من حيث كمية الاحتياطي القابل للإنتاج، بما يزيد على تريليون ونصف تريليون طن. فهل نتوقع أن يطلقوا عليه حينئذ ثورة الصخر النفطي عندما يحين وقت إنتاجه كما أطلقوها على النفط الصخري؟ وفي اعتقادنا أن جميع شعوب العالم دون استثناء ستتوجه نحو توليد الطاقة الشمسية بكثافة منقطعة النظير بعد سنوات قليلة، وهي أولى بأن تكون ثورة في مصادر إنتاج الطاقة، نظرا لكونها أعم وأطول استدامة، ومن حق أي دولة أن تمتلكها وتستفيد منها على أرضها دون منَّة من أحد. وقد لاحظنا خلال السنتين الماضيتين تجديدا لنشاط الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة في عدة أماكن من العالم.
ومع مرور الوقت وانخفاض إنتاج النفوط التقليدية الرخيصة، ومعظمها في النصف الشرقي من الكرة الأرضية، ومن ثم ارتفاع مستوى تكلفة إنتاجها، سيزيد اعتماد العالم على المصادر غير التقليدية المعروفة الآن من صخري وغيره، ذات التكلفة المرتفعة والإنتاج المحدود، ومن مصادر الطاقة المتجددة. وبصرف النظر عن كميات الاحتياطي الضخمة للنفوط غير التقليدية في جميع أنحاء العالم، فإنه من المؤكد أن يحدث نقص حاد في الإمدادات وارتفاع غير مسبوق للأسعار، دون تحديد الزمن. وفي هذه الحالة، لا بد من البحث عن مصادر جديدة ولو كانت مُكلِفة من أجل منع حدوث كوارث اقتصادية ــ لا قدر الله ــ تعصف بالسلم العالمي. وليس أمام المجتمعات الدولية فرص كثيرة لدرء مخاطر نقص الطاقة وارتفاع أثمانها، إلا التقشف والحد من الإسراف في الاستهلاك الذي تمارسه الشعوب اليوم. ولكن هيهات أن يمتثل شعب أو مسؤول للمنطق ويعملوا طواعية عن وعي وإحساس بالمسؤولية لتجنب حدوث كوارث اقتصادية إذا ــ لا قدر الله ــ حلت بنا ونحن لا نزال في غفلتنا، فلا مخرج لنا منها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي