الحرب في العراق وسورية .. البعد القومي

يقال دائمًا ليست الأمور كما تبدو، لعل هذه المقولة تشرح وتخفي الكثير مما يحدث في العراق وسورية. لا يمكن فهم ما يجري في البلدين من منظور طائفي فقط مع أهمية هذا البعد مرحليا، ولكن لا يمكن أيضًا إغفال الأبعاد الأخرى التي تشمل حقيقة أداء النخب السيئ والمتراكم والطبقية بما تحمل من عدالة اجتماعية مفقودة، والهيكلي (تدخل قوى أكبر لتغيير المعادلة المجتمعية)، والسياسي المتمثل في الصراع العاري على غنيمة السلطة، والبيئي والسكاني (سبب الجفاف هجرة الملايين في سورية إلى حزام البؤس في المدن)، ولكن إحدى أهم دوائر التأثير التي لم تعط حقها فيما يجري هو البعد القومي. نظرا لقرب العاطفة للدين وتوظيف الدين للحشد المعنوي والنفسي أخذ البعد الطائفي في هذه المرحلة أكبر من حجمه الطبيعي على مستويين، الأول يتمثل في إرهاصات الثورة الإيرانية، حيث إن إيران استطاعت "بيع" دورها أنه طائفي عمليا لمن يريد، ولكنه في تناغم مع محركها القومي، وبالتالي في تطابق مع اثنتين من أهم دوائر التأثير، ثانيا أن العرب في حالة صارخة من الانقسام بسبب أن دور مصر التاريخي معطل، وحقيقة أنه ليس هناك بديل مرجح. لكن هذا لا يعني أن البعد القومي معطل تمامًا في وجدان العرب في العراق وسورية، خاصة أن التنظيم الحزبي قديم، وحقيقة أن محصلة التفكير الوطني دائما في تجاذب بين الإيديولوجي والقومي وأحيانا كثيرة دون تنافر.
بصرف النظر اليوم عن تنظيم ما يسمى "دولة العراق والشام"، وحرص الأنظمة في البلدين على إظهار المقاومة أيا كانت توجهاتها بأنها إرهابية ومدعومة من الخارج، لا شك أن هذا تنظيم إرهابي يقابل تنظيمات أخرى إرهابية مثل حزب الله، ولكن الواضح أن الشراكة في المقاومة لها بعد وجداني عربي كلجوء أعضاء من حزب البعث المنحل إلى سورية. فهناك قرائن وإرهاصات، فمثلا قدم حزب البعث العراقي مقاومة شرسة للاحتلال الأمريكي، ولا تزال مستمرة لما يرى أنه احتلال أو نفوذ إيراني غير مسبوق، ولكن الأمور لا تقف هنا، فمثلا اختلف الحكيم والصدر في العراق، فالأول أخذ بعدا طائفيا صريحا عبر عنه بتعاون كامل مع إيران، بينما يعيش الصدريون صراعا داخليا بين "الهوية العراقية " بمكونها العربي القومي والبعد الإيديولوجي. كما أن هناك قبائل عربية شيعية في حالة تململ من الهيمنة الإيرانية، زاد عليها طمع إيران في المياه، وترى أن استقلال العراق وبعده العربي خيارها الأفضل، كذلك في سورية حيث ما زال النظام الموغل في الطائفية يلبس عباءة شبه اصطناعية للقومية، ولكنه لايجرؤ على خلعها، فهو يريد تعظيم الاستفادة من البعد القومي قدر الإمكان كلما ازدادت شراسته الطائفية، واعتمادا على غير العرب. لعل أحد المكونات الرئيسة في البلدين وجود تواصل جغرافي وقبلي في الصحراء، ودورها الحياتي البعيد في الشخصية العربية ودورها الميداني للمقاومة.
لا أستطيع التنبؤ بما سيأتي به المستقبل، ولكن سيكون البعد القومي بخصوصيته الوطنية أكثر أهمية مع الوقت. فالعراق سيستطيع مع الوقت الابتعاد عن العباءة الإيرانية التي لم تقدم نموذجا تنمويا يحتذى به، كما أن العراق بلد غني في غير حاجة لإيران أو غيرها، وسورية بلد أبعد جغرافيا وسترتفع فاتورة المقاومة على إيران تدريجيا إذا استمرت المقاومة بعنفوان. هناك حاجة للعرب في أن يغيروا جزئيا الخطاب ليأخذ بعد قوميا وطنيا على حساب الخطاب الديني لإبراز الدور الإيراني كما هو: إيجاد مكان للنفوذ واحتلال بالوكالة. بدا واضحا أن العراق في حاجة إلى توافق جديد يكون الاستقلال التام إحدى قواعده. وأيضا سورية ستستطيع تدريجيا استيضاح العلاقة بين حكم أقلية فاشل ودور إيران.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي