أزواج أوفياء

في نجران التقيت بها، أرملة شامخة الروح تجبرك حكمتها على الإنصات إليها رغما عنك، حدثتني عن زوجها الذي رحل في عز شبابه بحادث سيارة، ورغم مرور 30 عاما على رحيله إلا أنها لم تفكر ولو للحظة في الزواج من بعده، سألتها حين رأيت عينيها تومضان بريقا وهي ترحل نحو ذكرياتها البعيدة: أكنت تحبينه يا خالة؟
تنهدت وهي ترد "من كثر حبي له يا بنتي كل ليلة، أسأل الله أن يعوضه عن شبابه بحور الجنة، ويمتعه ربي بهن". لم أستطع أن أحدثها بعد عبارتها هذه، فالصمت في حرم الجمال جمال! وكأنها عرفت ما يجول بخاطري من روعة الإعجاب بحكاية عشقها لزوجها الرحل، فبادرتني قائلة "تصدقين يا بنتي، إني جلست سنين عقب وفاته وأنا أبكي كل ليلة من شدة حنيني وشوقي له".
ولحظتها تذكرت قول أبي فراس الحمداني:

إذا الليل أضواني بسطت يد الهوى
وأذرفت دمعاً من خلائقـه الكبـرُ

حكايتها ذكرتني بقصة ذلك الزوج الذي اعتاد أن يشرب قهوته كل مساء مع شريكة حياته التي عشقها بجنون وعاش معها 20 عاما، إلى أن رحلت بعد مرض عضال، ورفض أن يدفنها في المقبرة وأصر على أن يدفنها في حديقة منزله، وظل يناجيها ويتحدث إليها كل ليلة وكأنها تستمع إليه، بل إنه ظل على عادته كل مساء بارتشاف كوب قهوته وهو يجلس على كرسيه بجوار قبرها. قصص الوفاء والعشق بين الأزواج كثيرة، ولكن للأسف البعض يضخم قصص الخيانة والشك والغدر، ويروج لبعض القصص والأمثال التي "تخوف" الزوجة من زوجها وتجعلها تنظر إليه بعين الريبة والشك، فكثيرا ما نسمع "يا مؤمِّن الرجال يا مؤمِّن الميَّه في الغربال"، وهو من أبشع الأمثال الذي يجب أن ينسف من نسيج الثقافة الشعبية، نظرا لما يحمله من مشاعر سلبية وإيحاءات تدفع بالحياة الزوجية نحو سراديب الشك والتخوين، وكذلك المثل الآخر "ولدك على ما ربيتيه وزوجك على ماعودتيه"، وكأن الرجل ألعوبة في يد الزوجة فكيف لو كان مرتبطا بأربع زوجات وكل واحدة تربيه على طريقتها؟
الزواج أكبر من ذلك يا سادة..!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي