سلوكيات تحتاج إلى المراجعة
من نعم الله على الإنسان أن خلق له في هذه الأرض ما يتمتع به في أكله ومشربه وملبسه ومركبه وجعل التنوع الموجود على الأرض في خدمة الإنسان ومصلحته "هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور"، "والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون"، "المال والبنون زينة الحياة الدنيا".
خلال الأيام الماضية وعبر وسائط التواصل الاجتماعي تم انتشار مقطع على اليوتيوب لمجموعة من الشباب السعوديين الذين يتبادلون الضحك، بكل أريحية، وسعة صدر لا مثيل لها، وكأنهم قد نجحوا في ابتكار علاج لأحد الأمراض المستعصية، أو توصلوا لمخترع يقلل من تلوث البيئة، أو نجحوا في تطوير نموذج سلوكي لمشكلة من مشاكلنا الاجتماعية، وما أكثرها.
الإنجاز الذي حققه هؤلاء الشباب - كما يعتقدون- هو تعذيبهم حصانا، وذلك بضربه على رأسه بآلة حادة بعد ربطه بعمود حتى لا ينفلت، المشهد مؤلم للقلب، لكن من المؤكد ليس قلوب من قاموا بهذه الفعلة الشنيعة، التي وثقوها بأنفسهم، ونشروها على الملأ ليشاهدها العالم بأكمله، نشروا جريمتهم البشعة ليقدموا صورة أخرى من صور السلوك اللاحضاري الشاذ، الذي يسعد برؤيته أعداء الأمة الذين كثيرا ما يتهموننا بالإرهاب، واللاإنسانية، وهؤلاء الشباب بهذا الفعل لا يقدمون للأعداء سوى الصورة البشعة والسيئة عن الوطن والأمة. الفعل حدث، والجريمة موثقة بصور هؤلاء، والسؤال لماذا فعلوا فعلتهم الشنيعة؟ وما موقف المجتمع، وبالذات في مؤسساته الرسمية من هذا الفعل؟!
أولى هذه المؤسسات العائلة، أو العائلات التي ينتمي إليها هؤلاء الشباب، فهل يرضون عن فعل أبنائهم؟ وهل يتشرفون بهذا الفعل؟ وما موقفهم وهم يشاهدون أبناءهم يتم تداول صورهم وهم يعذبون الحصان؟ أما المؤسسة الثانية فهي المؤسسة التربوية، فهي معنية بدراسة السلوك الشاذ والعدواني السادي الذي تلذذ فيه الشباب بتعذيب الحصان. أسئلة لا بد من طرحها: لماذا فعل الشباب فعلتهم المشينة؟ وهل أخفقت منظومتنا التربوية في تربية هؤلاء الشباب؟ وفي أي جزء من المنظومة التربوية يقع الخلل؟
مناهجنا فيها الكثير من النصوص الشرعية التي تحث على الرأفة بالحيوان، فحديث "دخلت امرأة النار في هرة حبستها فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض"، وحديث دخل رجل الجنة بكلب عطشان تم إسقاؤه وإنقاذه من الموت. هذه نصوص نقرأها في المدرسة ونسمعها من الخطيب ويتحدث عنها الإعلام المقروء والمسموع.
المؤسسة التربوية لا بد أن تتساءل: لماذا لم تؤثر هذه النصوص وتحدث أثرها وتضبط سلوك من درسوا هذه النصوص؟! ما من شك أن الهدف من تعلم هذه النصوص ليس حفظها واسترجاعها، بل الهدف الأساس بناء اتجاهات إيجابية نحو الحيوان، والبيئة، والإنسان تؤثر في السلوك لجعله متسقاً مع المعاني الجليلة والأهداف النبيلة.
لا أعلم الجهة التي تتبعها بصورة رسمية المحافظة على حقوق الحيوان هل هي وزارة الزراعة، أم هيئة الحياة الفطرية، أم الشرطة، كما لا أعلم عن وجود جمعية تحافظ على الحيوانات وتحفظ حقوقها من الإيذاء كما هو في الغرب، وهذه الحادثة تضاف إلى حوادث مثلها، كتلك التي أشعل فيها شباب النار في قطة حتى ماتت، وذلك بسكب البنزين عليها. في مثل هذه الحوادث وغيرها تتحرك المشاعر وتكون ردود الفعل اللفظية لكن لا نعلم عن إجراءات تتخذ في حق أصحاب هذه السلوكيات ولا بشأن المراجعة والبحث في الأسباب التي أوجدتها لنجد أنفسنا مع حادثة أخرى ونكرر ردود الفعل وهكذا تسير حياتنا على هذا المنوال.