إغلاق فجوة المهارات
في عصر ترتفع فيه معدلات البطالة إلى عنان السماء، قد يبدو من المعقول أن نفترض أن الشركات لا تجد مشكلة في العثور على العاملين. ولكن دراسة استقصائية حديثة أجرتها مؤسسة ماكينزي شملت أكثر من 2800 صاحب عمل في مختلف أنحاء العالم أكدت مدى خطأ واختلال هذا التصور. فقد ذكر أربعة من كل عشرة من أرباب الأعمال أنهم لا يستطيعون العثور على عمال لشغل وظائف المبتدئين في شركاتهم، وقال أكثر من ثلث المستجيبين للدراسة إن شركاتهم تعاني الافتقار إلى المهارات المناسبة في سوق العمل.
وكل هذا يشير إلى عدم التوافق المكلف في المهارات الذي يبتلي الاقتصاد اليوم. ففي الولايات المتحدة وحدها، قد تبلغ التكلفة الضمنية المترتبة على الفشل في تحسين التعليم نحو 1.7 تريليون دولار بحلول عام 2030. وعلى نحو مماثل، فإن الصين قادرة من خلال سد الفجوة المتزايدة في المهارات لديها على زيادة ناتجها المحلي الإجمالي بنحو 250 مليار دولار بحلول عام 2020. لماذا إذن لا نقوم بالمزيد من أجل ضمان حصول الشباب على المهارات التي يحتاجون إليها؟
تمتد جذور هذه المشكلة إلى التصورات المتباينة بين مختلف الأطراف الفاعلة في سوق العمل. فقد تبين أن أكثر من 70 في المائة من المؤسسات التعليمية التي تناولتها مؤسسة ماكينزي بالدراسة تعتقد أن خريجيها مستعدون لسوق العمل؛ ولكن أكثر من نصف أصحاب العمل والشباب يرون العكس. إن إغلاق الفجوة يتطلب التعاون بين المؤسسات التعليمية وأصحاب العمل بشكل أوثق. فيتعين على أصحاب العمل أن ينقلوا متطلباتهم إلى المؤسسات التعليمية؛ وينبغي للمؤسسات التعليمية أن تعطي خريجيها الأدوات الكفيلة بتمكينهم من تلبية هذه المتطلبات. وتكمن المشكلة هنا في غياب التواصل، لذا فإن الحلول لابد أن تتلخص في إيجاد المزيد من سبل التواصل.
تحقيق مثل هذا القدر من التوافق ليس بالمهمة اليسيرة. إن ثلث أصحاب العمل لا يتفاعلون أبداً مع مقدمي التعليم، في حين يفعل هذا 15 في المائة منهم فقط مرة كل شهر أو ما إلى ذلك. والواقع أن الجانبين من الممكن أن يستفيدا كثيراً من بناء علاقات متبادلة قوية، حيث يبلغ أصحاب العمل المؤسسات التعليمية بما يحتاجون إليه ''بل حتى يساعدوا في تصميم المناهج ويعرضوا موظفيهم للعمل كأعضاء في هيئات التدريس'' وتزود المؤسسات التعليمية الطلاب بالخبرة العملية والتعلم من خلال التدريب.
والواقع أن بعض المبادرات الواعدة تأخذ مجراها الآن. فالعديد من أرباب العمل في صناعات مثل السيارات والسياحة والتصنيع المتقدم وبناء السفن بدأوا في استخدام الشباب كعاملين ''قبل التعيين'' -وهذا من شأنه أن يضمن لهم الوظيفة إذا أكملوا برامج التدريب الدقيقة الصارمة.
ولكن مثل هذه المبادرات تظل أقل كثيراً من حيث العدد وأضيق من حيث النطاق من أن تكون كافية لحل مشكلة عدم التطابق في المهارات العالمية. وعلاوة على ذلك فإن تطوير البرامج الفعّالة يتطلب قدراً أعظم كثيراً من المتاح حالياً من البيانات حول رحلة الشباب من التعليم إلى العمل.
وبوسع الحكومات أن تلعب دوراً بالغ الأهمية في جمع البيانات المطلوبة لتحديد أي المهارات مطلوبة وما نوع التدريب الذي قد يكون فعّالا. على سبيل المثال، يتابع مرصد العمل في كولومبيا تقدم الطلاب - بما في ذلك إلى أي جامعات يذهبون لتلقي التعليم، وأي المواد يدرسونها، ومتى وأين تم توظيفهم لأول مرة، وكم كانت رواتبهم كمبتدئين، وما إذا كانوا قد حصلوا على ترقيات - لمدة تصل إلى خمس سنوات بعد التخرج. وبوسع الطلاب المحتملين أن يستخدموا هذه المعلومات للحصول على صورة أكثر دقة لآفاقهم في المستقبل.
ينبغي للطلاب أن يملكوا تعليمهم. ويتعين على الطلاب المحتملين قبل التسجيل في برنامج أكاديمي أو مهني أن يبحثوا في معدلات توفر الوظائف وأن يتعلموا كيف وبأي معدل من التكرار تتفاعل المؤسسات التعليمية مع أصحاب العمل. وعلاوة على ذلك، ينبغي لهم أن يكتسبوا فهماً شاملاً للكيفية التي يمكنهم بها بناء وإظهار المهارات التطبيقية في مجالاتهم المختارة. وفي العموم، يتعين عليهم أن يستخدموا بيانات سوق العمل المتاحة لتحديد اختياراتهم بشكل أكثر استنارة واطلاعا.
إذا استمر العالم على مساره الحالي، فإن اختلالات التوازن في أسواق العمل سوف تتفاقم سوء في السنوات المقبلة. والواقع أن العالم يواجه نقصاً محتملاً بنحو 30 إلى 40 مليون عامل تلقى تعليمه في الجامعة بحلول عام 2020، وفائضاً محتملاً بنحو 95 مليون عامل من ذوي المهارات المتدنية.
إن الفوائد الاقتصادية المترتبة على إعادة التوازن إلى سوق العمل العالمية قوية ومقنعة؛ والتكاليف البشرية المترتبة على الفشل في هذه المهمة هائلة. والآن أصبحت حتمية التحرك من قِبَل الشركات والمؤسسات التعليمية والحكومات والشباب أقوى من أي وقت مضى.
خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2013.