كاميرات مراكز التأهيل الشامل
تغيَّر لون المسؤول عندما سأله أحد الصحافيين عن موعد افتتاح المشروع. قبل عشر سنوات عقد المسؤول مؤتمراً صحافياً بحضور رئيس الشركة الأخطبوطية بعد توقيع عقد تجاوزت قيمته 700 مليون ريال، قال فيه: نأمل أن ينتهي المشروع وتبدأ الاستفادة منه خلال 36 شهراً. هز رئيس الشركة رأسه مؤكداً صحة المعلومة.
عندما التقى الصحافيون مدير المشاريع في الوزارة بعد ثلاث سنوات، وأطلعوه على شكاوى المواطنين من تعثر المشروع، اعتذر بأن المقاول اكتشف بعد الحفر أن هناك خطوط هاتف وكهرباء في منطقة المشروع، واضطرت الوزارة لمخاطبة الجهات المختصة لإزالة هذه العوائق. ''الوقت المتوقع يا سعادة المدير''، سأل صحافي. رد المدير أن الاستفادة ستكون متكاملة خلال سنتين من اليوم.
مرت الأيام، الوفيات والحوادث في منطقة المشروع تزداد، ولا تقدم في الإنجاز. ثم جاء الفرج على يد مدير المشاريع الجديد الذي هدد الشركة بسحب المشروع وتنفيذه على حساب المقاول من قبل مقاول آخر، إن لم ينجز خلال ستة أشهر، كانت قد مضت خمس سنوات على توقيع العقد. تقدم المقاول بالتماس لمعالي الوزير وقدم فيه من الحجج ما يدمي القلب، فمشاكل العمالة، وتعطل المعدات، وطبيعة الأرض الصخرية، وعدم اكتمال البنية التحتية، ووضع الاقتصاد العالمي، وأزمة الاتحاد الأوروبي، واجتماع دول العشرين، كلها ساهمت في تأخير تنفيذ المشروع.
تم استثناء المقاول من الغرامات نظراً للقوة التي قهرته، وتم دعمه بتغيير مفردات المشروع وتعميده بـ 10 في المائة أعمالا إضافية، والتوصية بمراعاة ما عاناه من صعوبات عند مناقشة الميزانية في العام القادم. استُثْني من كل غرامات التأخير، واقتطع جزء من المشروع وطرح في منافسة أخرى ليفوز به المقاول كتعويض. لكن المشروع لم ينته. رغم كل الوعود يقف المسؤول اليوم مشدوهاً لا يعلم ما يقول. نظر بغضب إلى مدير علاقاته العامة، الذي وعد بأن يكون المؤتمر سلساً؟
نسي أن الصحافي اليوم مختلف، والتنافس على أشده، والأرشيف يحوي كل تصريحاته. لكنه وعد نفسه ومدير علاقاته الجديد أن يتوقف عن التصريح والتلميح وأن تكون كل الصور التي تعرض عن اجتماعاته ومؤتمراته ــــ وهي كثيرة ــــ والمعارض التي يزورها من صنع إدارة علاقاته التي يديرها الآن ابن أخيه، وأن يتفادى الصحافيين أينما حلوا.
حالة منتشرة اليوم، فلا مواقع وزارات تعطي معلومات دقيقة، ولا مؤتمر أسبوعي يشفي تساؤلات الناس، ويريح المستهلكين، ويعطي الأمل للمحتاجين، ولا مكان يتحدث فيه المسؤول إلى الناس سواء في ''تويتر'' أو ''فيسبوك'' أو موقع الوزارة. صمت مطبق لا يحركه سوى حصول مصيبة تتناولها وسائل الإعلام بكثافة أو تسريب إلى الإعلام الأجنبي.
عندما انتشرت مقاطع الاعتداء على نزلاء مركز التأهيل الشامل في عفيف قبل سنتين، تبعتها حوادث في شقراء وتبوك والمدينة والطائف، بحثت عن ردة فعل الوزارة خصوصاً أن الإعلام تناول هذه المقاطع بقوة و تابعها المواطنون بشكل يومي. كان تبرير الوزارة أن هذه الحوادث لا تزيد على عدد أصابع اليد الواحدة.
من 24 مركز تأهيل شامل، انتشرت مقاطع تخص نزلاء خمسة، وانتشر حديث يتعلق بأكثر من ذلك. الأكيد أن الكثير من الحوادث لا توثق باستخدام الكاميرات، لأن هؤلاء المساكين لا حول لهم ولا قوة، وإن لم تحدث الحادثة بحضور إنسان غيور ويخاف الله فيهم فهي لن توثق. ولو طبقنا قاعدة أن 10 في المائة من الحوادث توثق فهذا يعني أن هناك أحداثا مماثلة في كل المواقع التي تتبع للوزارة.
كتبت حينها وطالبت بإجراءات مكونة من ثلاثة بنود في ظني أنها ستنهي المشكلة. بند كف يد كل العاملين في ذلك المركز وأي مركز يثبت أنه حدث فيه مثل ذلك بغض النظر عن مساهمتهم أو ظهورهم في المقاطع، لأن الراضي كالفاعل. البند الثاني يتعلق بوثيقة السلوك المهني مع النزلاء والعقوبات التي سيواجهونها في حالة مخالفة بنود ميثاق الشرف المهني هذا. والبند الثالث يطالب بتوزيع كاميرات مراقبة في كل غرف وممرات ومداخل ومخارج ومكاتب هذه المراكز، ومثلها كل المكاتب التي تتبع الوزارة.
قرأت ــــ في تلك الأيام ــــ أن الوزارة طلبت توفير عدد كاف من الكاميرات لكل المواقع التي تتبع لها. لكن الواقع يقول إن هذه الكاميرات لم ''تر النور''، أكد ذلك المقطع الذي انتشر أخيرا عن تعامل منسوبي مركز التأهيل الشامل في وادي الدواسر مع المعوقين بطريقة مهينة لا يرضاها أحد لنفسه ولا لأكبر أعدائه. الاستحمام الجماعي وكشف العورات في الممرات وغرف الملابس، وإلباس النزلاء ملابسهم بطريقة غير إنسانية تؤلم كل من يشاهدها وتدعونا للتساؤل بألم: أين الكاميرات يا وزارة الشؤون الاجتماعية؟