اختلاف توجهات مسؤولي .. المانع والربيعة

تابعت بشغف الحوار التلفزيوني الذي أجرته قناة ''روتانا خليجية'' في برنامج (في الصميم) مع الدكتور حمد المانع وزير الصحة (السابق)، الذي سلط الضوء على عدد من الملفات المتعلقة بالوزارة، وكشف النقاب عن عدد من القضايا الصحية الخلافية بالوزارة بين فترتي الوزير السابق والوزير الحالي الدكتور عبد الله الربيعة.
من بين القضايا الصحية محل الخلاف في وجهات النظر بين وزير الصحة (السابق) والوزير الحالي، التي سلط البرنامج الضوء عليها خلال اللقاء التلفزيوني المذكور، نظام الضمان الصحي التعاوني الذي صدر بقرار من مجلس الوزراء، بهدف توفير الرعاية الصحية وتنظيمها لجميع المقيمين من غير السعوديين في المملكة في البداية، ومن ثم تطبيقها على المواطنين وغيرهم.
جدير بالذكر أنه خلال فترة تولي الدكتور المانع حقيبة الوزارة وبالتحديد خلال الفترة 1324 - 1430 التي كان خلالها أيضاً رئيساً لمجلس الضمان الصحي، أعدت وزارة الصحة دراسة شاملة لتطوير النظام الصحي في المملكة باسم (بلسم). من بين أهداف (بلسم) إنشاء صندوق وطني للضمان الصحي للتأمين على المواطنين يتم تمويله من ميزانية الدولة ليكفل تقديم الخدمات الصحية والعلاجية للمواطن من خلال مستشفيات القطاع الخاص عبر تغطية كل مواطن ببوليصة تأمين صحي، بحيث تتفرغ وزارة الصحة للقيام بدورها الرئيس في التخطيط والتنظيم والإشراف على القطاع الصحي ومراقبة جودة الخدمات الصحية. ويشمل المشروع أيضاً إنشاء هيئة صحية وطنية مستقلة لمعايير الجودة وكذلك الفصل بين ممول الخدمة ومقدمها ومشغلها ومراقب أدائها بما يضمن تحقيق أعلى مستوى من الأداء والجودة.
ونجحت وزارة الصحة خلال فترة عمل الدكتور حمد المانع في الوزارة عبر برنامج (بلسم) في التأمين على نحو ثمانية ملايين مقيم في السعودية، وكانت ستشرع في البدء بتطبيق المرحلة الثانية من البرنامج المتمثلة في التأمين على المواطنين، لكن بمجرد تولي الدكتور عبد الله الربيعة حقيبة الوزارة بتاريخ 19 صفر 1430هـ، رؤي التريث في تطبيق التأمين الصحي على المواطنين لحين انتهاء مجلس الخدمات الصحية من دراسة الأسلوب الأفضل لتمويل الخدمات الصحية والتأمين، وبما يحقق أفضل السبل المتاحة عالميًّا، ولا يشكل عبئًا على المواطن.
إن اختلاف وجهات النظر بين وزير الصحة (السابق) والوزير الحالي حول مدى جدوى وفاعلية التأمين الصحي على المواطنين، تمثل في تصور الدكتور حمد المانع أن الوزارة حققت نجاحاً غير مسبوق في مجال التأمين الصحي، بتمكنها من التأمين على قرابة ثمانية ملايين مقيم خلال حقبة إدارته للوزارة وأن نحو 4.5 مليون مواطن سعودي من العاملين في القطاع الخاص يتمتعون بتغطية تأمينية جيدة، توفر لهم خدمة العلاج الطبي في مستشفيات القطاع الخاص، إضافة إلى أن سوق التأمين السعودي يمتلك في الوقت الراهن بنية تشريعية وتنظيمية وقانونية قوية ومتينة، تمكن شركات التأمين من تقديم خدمات تغطيات تأمينية متميزة. كما أن التأمين على المواطنين لن يكلف الدولة أكثر من 40 مليار ريال، الأمر الذي سينتج عنه توفير أكثر من 60 في المائة من ميزانية ''الصحة'' التي تعدت قيمتها 110 مليارات ريال لكل القطاعات الصحية. وعلى النقيض من ذلك فإن الدكتور عبد الله الربيعة، يرى أن تطبيق التأمين الطبي للمواطنين ليس بالأمر السهل، ولا يمكن قياسه بتجربة تطبيق التأمين الطبي بالنسبة للمقيمين وأن عددا من الدول التي بادرت بتطبيق التأمين الصحي لم تنجح في ذلك باعتبار أن شركات التأمين لا تغطي جميع الأمراض ولديها قائمة طويلة من الأمراض المستثناة من العلاج، رغم أن الدكتور حمد المانع، يعتقد أن قيمة بوليصة التأمين التي ستدفعها الدولة لشركات التأمين، ستجعل الدولة في وضع تفاوضي مميز وأقوى مقارنة بوضع شركات التأمين، الأمر الذي سيمكنها من التفاوض للحصول على أفضل التغطيات التأمينية، ولا سيما أن ذلك سيشعل المنافسة بين شركات التأمين.
وحول قضية صحية خلافية أخرى بين وزير الصحة (السابق) والحالي، التي تمت إثارتها في البرنامج التلفزيوني المذكور، قضية الحزام الطبي، الذي شرعت وزارة الصحة تطبيقه خلال فترة عمل الدكتور حمد المانع في الوزارة، الذي كان يهدف إلى إنشاء مستشفيات تخصصية في المناطق الإدارية الرئيسة في المملكة، وذلك بغرض التخفيف من الضغط الحاصل على المستشفيات التخصصية في المدن الكبيرة وتحقيقاً لرغبة الوزارة آنذاك في تقديم خدمات صحية متخصصة للمرضى في مناطقهم، وتجنيبهم عناء السفر والترحال إلى المدن الرئيسة بحثاً عن العلاج المتخصص. وخلال فترة عمل الدكتور المانع في الوزارة تمكنت الوزارة من الانتهاء من إنشاء خمسة مستشفيات متخصصة في مناطق إدارية مختلفة في المملكة، لكن بمجرد تولي الدكتور الربيعة حقيبة الوزارة، تناقلت أخبار في الوسط المحلي مفادها إلغاء تنفيذ المشروع، رغم تصريح الوزارة في أكثر من مناسبة بأنها لم تقم بإلغاء أي مشروع معتمد بصرف النظر عن الأسماء، بل على العكس من ذلك فوفقاً لتصريح الوزارة، أنه تمت زيادة المشاريع الصحية كمًا وعددًا.
وللتغلب على مثل هذه الاختلافات في التوجهات الإدارية والتنظيمية والتخطيطية بين المسؤولين بأجهزة الدولة المختلفة، فالأمر يفرض الحاجة إلى وضع استراتيجية طويلة المدى لكل جهاز حكومي، بحيث لا تتغير بتغيير المسؤول شريطة أن تكون قابلة مخرجاتها للقياس والتقويم ومرنة، بحيث تستجيب للمتغيرات والمستجدات، لكن بما لا يخل بالمرتكزات والأساسيات التي بنيت عليها في الأساس الاستراتيجية لتحقيق أهداف محددة.
إن وجود مثل هذه الاستراتيجيات سيضمن أن يتحول عمل الأجهزة الحكومية في بلادنا، من عمل يرتبط بمزاجية وتوجهات المسؤول ويرتبط بشخصه إلى عمل مؤسساتي، يغلب عليه طابع الديمومة والاستمرارية، بصرف النظر عمن هو المسؤول وما حقيقة توجهاته ونوعية اتجاهاته.
إن اتباع الأسلوب المؤسساتي في إدارة دفة الأعمال والخطط والاستراتيجيات في الأجهزة الحكومية، سيجنب الدولة خسائر مالية كبيرة وسيضاعف من ثقة المواطن بأداء تلك الأجهزة ويعزز مصداقيتها.

طلعت زكي حافظ
كاتب ومستشار اقتصادي
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
[email protected]

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي