تقييم مالي مرتفع للسعودية لا يخلو من التحديات
يأتي إعلان وكالة ستاندرد آند بورز S&P العالمية للتصنيف الائتماني عن رفعها للنظرة المستقبلية للتصنيف السيادي للمملكة من مستقر Stable إلى إيجابي Positive عند درجة ائتمانية عالية AA-، دلالة واضحة على أن المملكة العربية السعودية لا تزال ماضية في جهودها الرامية للتعزيز من مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها البلاد، والتي بدأت مشوارها الحكومة السعودية قبل نحو عقد ونصف العقد من الزمان، عندما اتجهت إلى إنشاء العديد من المجالس والهيئات والمدن الاقتصادية، بهدف تنويع القاعدة الاقتصادية، مما أدى إلى نمو متسارع وحقيقي بالمعدلات الثابتة للاقتصاد، إضافة إلى التحسين من متوسط دخل الفرد.
جدير بالذكر أن مثل هذه التقييمات الائتمانية التي تصدر بدرجات مختلفة AAA كأعلى تصنيف ائتماني نزولا إلى التصنيفات الأقل جدارة عبر الحروف AA وA وBBB سواء التي تختص بتقييم الماليات العامة للدول وقدرتها على الوفاء بالتزاماتها المالية أو تلك التي تتعلق بالتقييمات المالية بمؤسسات القطاع الخاص وأدوات المال التي تصدرها المؤسسات المالية والعامة على حد سواء، تصدر في الغالب عن ثلاث وكالات تقييم على مستوى العالم، وهي ''ستاندرد آند بورز'' و''موديز'' و''فيتش''، والتي تسيطر مجتمعة على تصنيف أكثر من 90 في المئة من إصدارات الدين حول العالم. هذه التقييمات التي تصدرها تلك الوكالات بدرجات تقييم مختلفة، الهدف منها هو إثبات الجدارة الائتمانية للمؤسسات المالية والحكومية التي تصدر السندات الائتمانية ولإثبات أيضاً الجدارة الائتمانية لتلك السندات.
التصنيف السيادي الصادر عن وكالة ستاندرد آند بورز للمملكة والمشار إليه أعلاه بدرجة تقييم AA-، يعد من بين أعلى درجات التقييم والتصنيف الائتماني التي تصدرها وكالات التصنيف باعتباره يؤكد على مدى الثقة في متانة الاقتصاد السعودي، ويعزز من المؤشرات المالية التي كشفت عنها أخيراً النتائج المالية للاقتصاد الوطني والمالية العامة للدولة، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، تسجيل الناتج المحلي الإجمالي للمملكة لنمو الأسعار الثابتة مقارنة بسنة الأساس (1999) بلغ 6,8 في المائة في عام 2012، في حين أن هنالك عدداً من الاقتصادات على مستوى العالم من بينها اقتصادات دول صناعية متقدمة سجلت معدلات نمو منخفضة للغاية مقارنة بنمو الاقتصاد السعودي، فعلى سبيل سجل الاقتصاد البريطاني نموا خلال الربع (الأول) من العام الجاري بلغ نحو 0.3 في المائة من إجمالي الناتج المحلي.
من بين العوامل أيضاً التي أسهمت بشكل كبير في حصول المملكة على تصنيف سيادي مرتفع، قدرة المملكة المستمرة في المحافظة على تخصيص نسب مرتفعة للغاية من الانفاق الحكومي لدعم المشاريع التنموية في القطاعات الأساسية التي لها مساس مباشر بحياة المواطن اليومية، مثل مشاريع التعليم والصحة والإسكان والنقل وإلى غير ذلك من المشاريع الحيوية، ما أسهم بشكل كبير في نمو الاقتصاد المحلي بمعدلات مرتفعة خلال الأعوام الماضية مع المحافظة على مستويات دين عام تُعد من بين الأقل على مستوى العالم، حيث يتوقع للدين العام للمملكة أن يسجل انخفاضاً كبيراً بنهاية العام الجاري قد يصل إلى أقل من 3 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي، والذي يعد مستوى تاريخيا للدين العام للمملكة.
من بين العوامل كذلك التي أسهمت في التقييم الائتماني المرتفع للمملكة، قدرتها على المحافظة على مستويات احتياطيات مالية ضخمة على مدى السنوات القليلة الماضية، والتي تجاوزت قيمتها مبلغ 2,5 تريليون ريال بنهاية الربع الأول من العام الجاري، ما أسهم بشكل كبير في استقرار الوضع المالي للمملكة، على الرغم من التذبذب الكبير الذي طرأ على أسعار النفط العالمية، وبالذات خلال النصف الثاني من عام 2008.
القطاعات المالية المختلفة في المملكة العربية السعودية، والتي من بينها القطاع المصرفي، استجابة لهذا التقييم والتصنيف السيادي والائتماني المرتفع للمملكة، حيث سجل عدد من البنوك السعودية تقييمات مالية مرتفعة بدرجة A ونظرة مستقبلية إيجابية.
هذا التقييم المالي والائتماني السيادي المرتفع للمملكة، لا يقلل بطبيعة الحال من حزمة التحديات الاقتصادية والمالية التي تواجه المملكة، رغم سعي الحكومة الحثيث لتنويع القاعدة الاقتصادية ومصادر الدخل القومي، إذ لا تزال رغم تلك الجهود، تُشكل إيرادات بيع النفط نصيب الأسد من الميزانية العامة للدولة بأكثر من 90 في المائة، ما يشكل باستمرار تحدياً كبيراً بالنسبة للحكومة السعودية تعويض النقص الذي قد يحدث نتيجة للانخفاض في حجم الإيرادات العامة للدولة بسبب انخفاض أسعار النفط العالمية، مما يتطلب بذل المزيد من الجهود لتنمية مصادر الدخل القومي الأخرى غير النفطية.
من بين التحديات الأخرى التي تواجه الاقتصاد السعودي، إدارة الاقتصاد بشكل أكثر كفاءة مقارنة بالوضع الحالي، بحيث يتحقق عن ذلك تعظيم للعوائد الاقتصادية، وتحقيق وفورات في الإنتاج، والتقليل من قيمة الهدر للموارد الاقتصادية، مما يتطلب التركيز على النوعية والجودة الإنتاجية بقدر أكبر من التركيز على الكم الإنتاجي بغض النظر عن مخرجات الإنتاج وتحقيقها للكفاءة الإنتاجية المنشودة.