النظرة الدونية للأعمال أضرت بالسعودة

منذ أن تولى المهندس عادل محمد فقيه حقيبة وزارة العمل في عام 2010، وجهود التوطين وسعودة الوظائف في القطاع الخاص تشهد حراكاً غير مسبوق، أثمرت عن توظيف أكثر من نصف مليون شاب وشابة في القطاع الخاص خلال العامين الماضيين.
جهود وزارة العمل في مجال التوطين وسعودة وظائف القطاع الخاص تمثلت في اتخاذ العديد من القرارات وتنفيذ العديد من البرامج والمبادرات خلال الفترة الماضية، واستهدفت جميعها تعزيز نسب التوطين والسعودة في مختلف القطاعات والأنشطة الاقتصادية والتجارية وفق رؤية وخطة عمل مدروسة بعيدة عن العشوائية والارتجالية في اتخاذ القرارات، لكنها في الوقت نفسه صارمة وغير قابلة للتراجع أو التراخي، باعتبارها تصب في نهاية المطاف في القضاء على البطالة المتفشية بين الشباب من الجنسين من جهة، وكونها تعمل على القضاء على أحد التشوهات الهيكلية الرئيسة التي ظلت تعانيها سوق العمل فترة طويلة من الوقت، المتمثلة في تجاوز أعداد العمالة الأجنبية في سوق العمل النسب المعقولة والمقبولة اقتصادياً، وبالذات في سوق مثل السوق السعودية واقتصاد مثل اقتصاد المملكة الذي يعاني معدلات بطالة مرتفعة بين السعوديين في حدود معدل عام بلغ 12.1 في المائة، الذي يمثل أكثر من ضعف المعدل المسموح به من قبل منظمة العمل الدولية ILO.
من بين مبادرات التوطين والسعودة التي اتخذتها وزارة العمل، على سبيل المثال لا الحصر، مبادرات استهدفت التعزيز من نسب السعودة في المنشآت والقطاعات والأنشطة الاقتصادية المختلفة بأسلوب يعكس الواقع الحالي لنسب السعودة في تلك القطاعات، وبحيث لا يحدث نتيجة لفرض تلك النسب الإضرار بالحركة الإنتاجية للقطاع أو النشاط الاقتصادي. ويعد برنامج نطاقات أبرز البرامج الموجهة للمؤسسات للزيادة من أعداد السعوديين فيها. وبغية التأكد من التزام منشآت القطاع الخاص بتطبيق نسب السعودة المفروضة عليها، تم حرمان المنشآت المخالفة لنسب السعودة من العديد من المزايا والتسهيلات والمحفزات التي تحصل عليها المؤسسات التي تمكنت من تحقيق نسب السعودة المستهدفة، بحيث يصعب على المنشآت المخالفة تسيير دفة تعاملاتها المالية والتجارية اليومية للحد الذي يمكن أن يخرجها من السوق. وعلى العكس من ذلك تماماً فإن المنشآت الملتزمة بتطبيق نسب السعودة، تحصل على العديد من التسهيلات والمحفزات، التي تسهل لها تعاملاتها المالية والتجارية بما في ذلك معاملاتها العمالية ويحقق لها المرونة الكافية لتحقيق مستويات نمو متصاعدة في مجال عملها.
ومن بين المبادرات أيضاً التي أطلقتها وزارة العمل لدعم الباحثين عن عمل وتعزيز فرص حصولهم على الوظائف المناسبة، برنامج ''حافز'' الذي لا يقتصر فقط على تقديم إعانة مالية شهرية، بل إنه يوفر إلى جانب الإعانة المالية الشهرية، العديد من برامج التدريب والتأهيل، التي تساعد على صقل خبرات الشباب من الجنسين الجادين في البحث عن العمل، بحيث يتمكنون من الدخول إلى معترك الحياة وخوض تجربة الدخول إلى سوق العمل بتخصصات علمية ومؤهلات عملية ملائمة للسوق.
وللرفع من نسب التوطين والسعودة، اعتمدت الوزارة عدداً من الحلول بعيدة وقصيرة المدى للتوظيف، حيث تمثلت الحلول قصيرة الأجل في وضع سياسات تسهيل إحلال العمالة الوطنية مكان العمالة الوافدة، بينما تمثلت السياسات طويلة الأجل في التنسيق بين الجهات الحكومية المختلفة ذات العلاقة للرفع من مستويات التأهيل العلمي والتقني والمهاري للشباب، إضافة إلى مواءمة مخرجات التعليم مع متطلبات سوق العمل. ومن بين المبادرات أيضاً، التي استهدفت الارتقاء بأداء سوق العمل، تطوير آليات الرقابة والتفتيش على السوق، ومكافحة ظاهرة التستر التجاري وترحيل المخالفين، وتصحيح الوضع التنافسي، وتطوير أنظمة التحويلات المالية، وحماية الأجور، ورفع تكلفة العمالة الوافدة، بحيث تتساوى مع تكلفة العمالة الوطنية، وتصبح بالتالي العمالة الوطنية الخيار الأفضل لرجال الأعمال، ولا سيما لو تم الرفع من كفاءتها ومن مهاراتها الأساسية.
دون أدنى شك إن وزارة العمل بذلت جهودا كبيرة في مجال السعودة وتوطين الوظائف، لكن حتى تتمكن الوزارة من تحقيق نسب سعودة وتوطين أفضل مقارنة بالماضي، والقضاء على البطالة في المملكة، لا بد من إحداث تغيير جوهري في ثقافة العمل، بالشكل الذي يحفز الشباب السعودي على العمل في جميع مجالات العمل المتاحة بصرف النظر عن مستواها الاجتماعي ونظرة المجتمع القاصرة إليها على أنها أعمال بسيطة ودونية، طالما أنها أعمال شريفة تحقق للشاب دخلا مالياً عادلاً وتبعد عنه شبح البطالة. ولعلي أضرب مثلاً هنا بعدد من القطاعات والأنشطة التجارية والاقتصادية في المملكة التي لديها قدرة فائقة على امتصاص أعداد كبيرة من الشباب العاطلين عن العمل، مثل قطاع التجزئة وقطاع الصناعة والقطاع الزراعي، حيث إن هذه القطاعات توظف اليوم الملايين من العمالة الوافدة. فعلى سبيل المثال، تسيطر العمالة الوافدة على قوة العمل في قطاع التجزئة، إذ يقدر عدد العاملين في هذا القطاع بنحو 2,4 مليون عامل، يشكل السعوديون منهم نحو 17 في المائة، وهكذا بالنسبة إلى القطاع الزراعي الذي يقدر أعداد العاملين فيه بنحو 600 ألف عامل معظمهم من العمالة الوافدة.
خلاصة القول إن جهود وزارة العمل في التوطين والسعودة ملحوظة وملموسة ويشهد لها القاصي والداني، لكن لتتمكن تلك الجهود من تحقيق نسب توطين وسعودة أعلى، فإن الأمر يتطلب التركيز على إحداث تغيير جوهري في ثقافة العمل، بحيث يقبل الشباب السعودي على الأعمال البسيطة والصغيرة دون النظر إلى مستواها الاجتماعي، طالما أنها أعمال شريفة وتحقق له ولأسرته حياة كريمة، وتعود في الوقت نفسه بقيمة مضافة إلى الاقتصاد الوطني، وبهذا سنتغلب على النظرة المجتمعية الدونية للأعمال التي أضرت بالسعودة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي