النقود الورقية تنقرض نهاية القرن وتتحوّل إلى «إلكترونية»

النقود الورقية تنقرض نهاية القرن وتتحوّل إلى «إلكترونية»
النقود الورقية تنقرض نهاية القرن وتتحوّل إلى «إلكترونية»

بين كل 100 جنيه استرليني تم إنفاقها في بريطانيا في العام الماضي أثناء عمليات التسوق، يوجد 29 جنيها فقط تم دفعها نقدا، والباقي عبر آليات الدفع الإلكتروني، كبطاقة السحب الآلي، أو البطاقة الائتمانية؛ أو ما بات يعرف بالنقود الإلكترونية.
ونتيجة ذلك، فإن مستهلكي بريطانيا استخدموا أوراقا نقدية وعملات معدنية بنسبة تقل عن 10 في المائة عما اعتادوا عليه في سابقا، ويطرح هذا التطور سؤالا عن مستقبل النقود الورقية، ويزداد هذا السؤال مشروعية في البلدان المتقدمة مع ظهور "النقود الإلكترونية"، وهي شريحة بلاستيكية ممغنطة تُستخدم لدفع ثمن المشتريات دون انتظار فاتورة لتأكيد إتمام عملية الدفع، أو إدخال رقم خاص كما هو حال البطاقة الائتمانية.

#2#

وهذا الأسلوب، الذي ينتشر حاليا في بعض البلدان المتقدمة، خاصة في اليابان؛ يمكن إدماجه أيضا في الهاتف المحمول، حيث يوفر وقت البائع والمشتري، ويسمح للمستهلك بالتخلص من محفظة نقوده، والاكتفاء بهاتفه المحمول لدفع ثمن المشتريات.
هذه التطورات في أساليب الدفع دفعت البعض للتأكيد على أن القرن الجاري لن ينتهي قبل أن تغدو النقود الورقية "جزءا من التاريخ"، واعتبر مدافعون عن هذه الرؤية، في حديثهم لـ "الاقتصادية"، أن غياب "النقود التقليدية" سيتبعه تغيرات عميقة في الهيكل الاقتصادي الدولي.
وقال الدكتور لي نيرولدس، أستاذ مادة النقود والمصارف، وأحد أبرز المدافعين عن "أفول النقود الورقية والمعدنية": في نهاية القرن سيتقلص بشكل كبير استخدام العملات الورقية والمعدنية، لكنها لن تغيب عن التداول اليومي، فإصدار النقود في حد ذاته يأتي تعبيرا عن سيادة الدولة، لكن بالتأكيد المستقبل للنقود الإلكترونية رغم المشاكل التي تواجهها حاليا.
وأضاف: "آخر الدراسات المتاحة تشير إلى أن نحو 12 في المائة من سكان الكرة الأرضية يعتمد كليا على الوسائل الإلكترونية لدفع ثمن حاجاته، وأن 21 في المائة من المستهلكين على المستوى العالمي يعتمد بنسبة تصل إلى 50 في المائة على الوسائل الإلكترونية".
وعن أسباب ذلك، أكد وجود عوامل تجعل المستقبل للنقود الإلكترونية، أبرزها التطور التكنولوجي، فإمكانية الدفع عبر الهاتف المحمول يُسهّل التداولات المالية، كما أن تزايد المبيعات الإلكترونية عبر الشبكة العنكبوتية يُحتّم زيادة استخدام النقود الإلكترونية، لأن مواقع الإنترنت لا تقبل أوراقا نقدية أو عملات معدنية.
لكن مايك لي، محلل المالي في اتحاد المصارف في بريطانيا، اعتبر أن ما يُروّج له البعض عن "موت النقود" مجرد مبالغات، وقال: "ثمة جهود ضخمة لشركات المدفوعات النقدية، مثل شركات البطاقات الائتمانية؛ لإقناع المستهلك بأن النقود الإلكترونية هي لغة العصر والمستقبل، وهذا ليس صحيح، فالمستهلكون لا يزالون يُعبّرون عن ارتباطهم بالنقود الورقية والعملات المعدنية".
وأكد أن استخدام المدفوعات الإلكترونية لا يزال محددا في شرائح مُحدَّدة من المستهلكين في المدن الكبرى، "بينما عدد مستخدمي وسائل الدفع الإلكتروني في القارة الإفريقية مثلا يراوح بين 5.1 و2 في المائة من إجمالي السكان".
وكانت المحال التجارية أول من استعد للتغييرات الجديدة في تفضيلات المستهلكين لوسائل الدفع، فقد خفضت الخصومات التي كانت تفرضها سابقا على استخدام النقود الإلكترونية بنحو 3 في المائة، لكن أصحاب المتاجر يشتكون أيضا من استمرار فرض المصارف البريطانية عليهم خصومات مالية كبيرة في وسائل الدفع للنقود الإلكترونية.
وقالت ديكنزون هال، من غرفة التجارة البريطانية: "لا تزال المصارف تفضل التعاملات التجارية التي تتم نقدا. بطبيعة الحال النقود الإلكترونية واقع راهن ومستقبل مؤكد، ولا يمكن للمصارف الاستمرار في فرض خصومات مرتفعة على المحال التجارية التي تشجع زبائنها على استخدام النقود الإلكترونية".
وأضافت: "أحد المعايير المستخدمة في قياس معدلات نمو المجتمع في المستقبل ستكون مدى استخدام المواطنين للنقود الإلكترونية، فهو يعكس تطور مفهوم التسويق، والأهم أنه يكشف مدى تطور النظام المصرفي وقدرته على التعامل مع طرق المدفوعات الحديثة".
لكن دعوة غرفة التجارة تواجه بنبرة احتجاجية من قبل مصرف انجلترا، إذ قال ديرك مايسن، الخبير المالي في المصرف: "المصارف المركزية عبر العالم هي المسؤولة عن إصدار النقود، ورسم السياسة النقدية للدولة، والنقود الإلكترونية تعني عمليا وجود جهات أخرى غير المصرف تخلق النقود، وتضخها في الاقتصاد الوطني، وهذا سيؤثر في قدرة المصارف المركزية في المحافظة على الاستقرار المالي والنقدي، وسيضعف قدرتها في السيطرة على حجم السيولة وسرعة دوران النقود، سما سيؤثر أيضا في معدلات التضخم".
وقال: "نحن ندرك تماما أن المستقبل للنقود الإلكترونية، لكن دخول هذا المستقبل يجب أن يتم بسلاسة دون تسرع".
ويراقب المصرفيون بشكل دقيق التطور الراهن في نظام المدفوعات الإلكترونية، لأن المصارف ستكون أول المتأثرين بها، إذ يُتوقع أن يساهم الاعتماد المتزايد على هذا النمط من المدفوعات في تغيير المفهوم السائد عن المصارف، وسيؤدي إلى تقلص ملحوظ في أعداد العاملين فيها لصالح مزيد من الآلات الإلكترونية، ولصالح التعاملات المصرفية عبر الإنترنت.
لكن تزايد التعامل بالمدفوعات الإلكترونية حسّن جزئيا السياسات المالية للدول التي يتسع فيها نطاق استخدام النقود الإلكترونية، إذ أعلن الاتحاد العالمي لبطاقات الصرف الآلي أن حجم الإيرادات الضريبية في 22 دولة، في أوروبا وأمريكا الشمالية وكل من اليابان وكوريا الجنوبية؛ شهد انضباطا ملحوظا بنسبة تصل إلى 63 في المائة، بسبب استخدام المدفوعات الإلكترونية في عملية السداد.
ورغم وجود سبل للتحايل والتهرب الضريبي، في ظل انتشار استخدام النقود الإلكترونية، إلا أنه ضريبيا يمكن السيطرة عليها، مقارنة بالاقتصاديات التي تعتمد بالأساس على النقود التقليدية.
ورغم هذا، حذر كارل سيمون، المدير التنفيذي في مصرف ستاندارد تشارترد، من حجم التحديات الموجود أمام انتشار وسال الدفع الإلكتروني، وهي لا ترجع لأسباب اقتصادية أمنية وفقا لقوله. وأضاف: "اتساع نطاق المدفوعات الإلكترونية يعتمد أساسا على مدى إقبال المستهلكين عليها، لكن ثمة ثغرات أمنية تحد من هذا الإقبال، ففقدانك البطاقة الإلكترونية للسحب من المصرف قد يعني أحيانا فقدانك جزءا كبيرا من أرصدتك المصرفية".
وأشار إلى عدم وجود "كود" متفق عليه بين المصارف لتعويض العميل إذا فقد بعض أمواله نتيجة احتيال، أو سرقة أو ضياع البطاقة المصرفية، وعن مدى انتشار سرقة البطاقات أو رقمها السري، قال: "الظاهرة في انتشار متزايد، فعلى مستوى بريطانيا زادت ثلاثة أضعاف في الربع الأول من العام الجاري، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، إذ قفزت من 2553 حالة إلى 7525، وعلى المستوى الدولي زادت نحو الضعف، وهذا يتطلب إجراءات قانونية رادعة حفاظا على مستقبل المدفوعات النقدية".

الأكثر قراءة