المهام الوظيفية للمهن الصحية (1)
ما زالت أمام الهيئة السعودية للتخصصات الصحية ووزارة الخدمة المدنية وقفات واجتماعات عدة لإعادة النظر في وضع التخصصات الصحية وتعدد مسمياتها، كتابة المهام الوظيفية، وإيجاد الفروقات بين مستويات العاملين في المرافق الصحية المختلفة عمليا، وليس بناء على ما لديهم من شهادات وأوراق تملأ الأدراج. أعلم أن العمل يسير مجدولا منذ سنين، ولكن الوقت يمضي سريعا ومشكلة المهام الوظيفية ما زالت تظللها العمومية في عناوين ومصطلحات ولم تستقر بعد لتشكل قوائم خطوات عمل ووصف وظيفي محدد لكل فئة من كل مسمى مهنة في مستوياتها المختلفة. هل يؤثر عدم وجود مهام وظيفية لكل مصنف في الأداء وبالتالي في النتائج؟ هل يمكن أن يصل التأثير إلى ارتكاب أخطاء طبية؟ هل لذلك تأثير على سلامة المريض؟ هل هناك تأثير اقتصادي يمكن أن تتكبده المرافق الصحية ويحول لفاتورة المريض؟ هل هذه أصلا تعتبر ثغرة؟
في الواقع دراسة علمية متعمقة رصينة يمكن أن توضح وتجيب عن كل ذلك، ولابد أن تنشر علميا ليسجل في تاريخ الجهتين ومجلس الخدمات الصحية أنهم تميزوا بأنهم حووا كل ما يتعلق بإدارة الموارد البشرية في القطاع الصحي. بل واهتموا بتحديث المعلومات بشكل متكامل جعل تقديم الخدمة للمريض بهدف تحقيق السلامة بجودة الأداء. عموما إلى الآن ما زالت المشكلة قائمة ويمكن تلخيصها في التالي:
(1) بنظرة سريعة على آلية تصنيف الهيئة السعودية للتخصصات الصحية وكتابة الوصف الوظيفي للممارس الصحي في كرت الوظيفة بوزارة الخدمة المدنية وجدت أنه لا توجد فعلا مهام وظيفية للمهن الصحية بجميع المستويات المصنفة فيها من الفني وحتى الاستشاري ومن الطبيب المقيم إلى النائب الأول. في الواقع تقوم الهيئة السعودية للتخصصات الصحية بمعادلة شهادات، وحدود تصنيفية للأوراق، واختبار لمعلومات الطبيب أو الممارس حديث التخرج أو بعد سنوات الخبرة، وذلك لاستخراج التصنيف والترخيص بالممارسة. هذا يعني أن أداء الممارس الصحي في المرفق الصحي مرهون بما يحدده المرفق نفسه وليس الهيئة أو الخدمة المدنية أو حتى مجلس الخدمات الصحية. هذا لأن الهيئة مهمتها التسجيل والتصنيف والترخيص بالعمل. يلي ذلك قيام وزارة الخدمة المدنية بتسكين هذا المصنف والمرخص على الوظيفة التي تتلاءم متطلبات شغلها مع هذا التصنيف، مع إيضاح واجبات عامة على الموظف الالتزام بها. هذه الواجبات المذكورة في واجبات الموظف وما صيغ في خواص الوظيفة في دليل التصنيف ما هو إلا حدود أداء هذه الوظيفة في أن شاغلها يقوم بالأعمال وتسميتها بعمومية شديدة كالكشف، والفحص، وكتابة التقرير، وتطبيق مبادئ السلامة. في الواقع هنا مسألتان أولها أن العمومية لم تكن يوما مفيدة في الأداء الذي يمكن أن يكون فيه التعامل مع بشر وبالذات في الصحة. والثاني أن هذه العمومية أسقطت تفاصيل لأكثر من 60 تخصصا فرعيا ودقيقا في المهن الصحية وما ذكر عنها سوى خواص Job Specifications، وليس وصف ومهام وظيفية Job Descriptions.
2) التعليم الصحي لن يقف عند التخريج في التخصصات الكلاسيكية ولن يقف عند فتح الأقسام والبدء في التخصصات المعروفة. بل إن تطور الفكر الأكاديمي والمهني سيكون مركزا على تقديم أفضل الخدمات للمرضى حسب الحالة ونوعها ودقتها وتطور التقنية المتعلقة بالكشف عنها أو علاجها وما يحقق سلامة المريض. وسيظل الأكاديميون يقننون ويستمرون في التقنين وحسب الأصول والسبل العلمية الحديثة من حيث استلام الطالب في الكلية المعنية إلى حين تخرجه لضمان مواكبة مقدم الخدمة لمتطلباتها. فإذا كانت التخصصات الصحية تفوق العدد الذي شملته قوائم الخدمة المدنية بالعشرات فإن التحديث ليس فقط ضروريا بل إن الخدمة المدنية ستجلس أيضا مع وزارة التعليم العالي لتحديث هذه الشؤون الحساسة والسريعة في تطورها عالميا لتواكب هذه القوائم ما يستجد في الشأن الصحي بشكل يومي وهو حساس جداً. هنا يمكن القول إن الجامعات لن تقف عند الطبيب والصيدلي وإخصائي المختبر والأشعة... إلخ، لتكون المادة مكررة منذ أن بدأ التاريخ. فمواءمة مخرجات هذه الكليات مع احتياجات المرضى وتقديم أنسب وأفضل وأجود الخدمات التي تكفل سلامته شأن أساسي يختلف عن كثير من المهن.
(3) إن تطور الحالات المرضية وتطور وسائل الكشف والعلاج لهذه الحالات ومن ثم تطور التقنيات المستخدمة في ذلك وبتخصصية متناهية يعني أن مسميات المهن وتصنيفها ومن ثم المهام الوظيفية ستكون في تغير دائم ولن تقف عند حد. وبالتالي لا بد من إيجاد الحلول المرنة ابتداء من التأهيل فالتدريب ثم العمل في الحقل. هذا ما سيحقق سلامة المرضى ويمكن من القياس والتقييم؛ حيث يكون ذلك مبنيا على محددات واضحة يعيها كل مقدم خدمة في أي موقع مع اختلاف المستوى الخدمي للمرفق. وللإيضاح فقط المرونة هنا لا تعني الاختزال المجرد!
(4) جانب آخر للموضوع هو مدى العلاقة بين المخاطر والتكاليف الصحية وضعف كتابة المهام الوظيفية أو عدم وجودها، أو تفرد كل جهة بما تراه لتحقق أهدافا قد لا تكون شمولية. في الواقع غطت الأبحاث العلمية هذا الجانب ووضح أنه ما زالت العلاقة موجودة تسجل علميا وقد نشرت في عدة أبحاث منذ التسعينيات. ويمكن الإسهاب في ذلك ولكن للحديث تتمة.