لماذا لا نرى أسعار النفط تحلق عالياً وسط الصراعات
في الساعات الأولى من فجر يوم الجمعة الماضية وتحديداً عند الساعة 2:17 صباحاً بتوقيت طهران هاجم سلاح الجو الإسرائيلي في حدث قد تمتد آثاره ونتائجه لعقود مقبلة، فقد شُنت هجمات مباغتة على إيران، ما أجّج المشهد المعقد أصلاً في الشرق الأوسط الإقليم الذي يحتضن 55% من احتياطات النفط العالمية البالغة 1.5 تريليون برميل، ذات الإقليم الذي يتوسط ممرات النفط الحساسة ويغذي شرايين الاقتصاد العالمي بالنفط والغاز عبر ممراته المائية في مضيق هرمز وباب المندب وقناة السويس.
سريعاً ما أخذ الصراع منحنى أكثر حدة وتصعيداً، ما زاد من قلق الاقتصاد العالمي على منابع النفط ومصادر الإنتاج وحركة الناقلات والسفن عبر عباب البحر بل تطور الأمر ليشمل ضربات عنيفة وقوية على منشآت النفط في كلا الجانبين، حيث تم مهاجمة خزانات الوقود ومصافي التكرير وموانئ تصدير النفط الإيرانية في الساحل الغربي المطل على الخليج العربي وعلى سواحل البحر الأبيض المتوسط في حيفا.
ونشير هنا إلى أن أسعار النفط قد قفزت في ظل هذه التطورات وسجلت ارتفاعات كبيرة تجاوزت الـ10% مسجلة أرقاماً هي الأعلى منذ 5 سنوات مضت. هذه الارتفاعات لها ما يبررها فعلاً فالخطر يحيط بمنابع النفط ومصادر إنتاجه ويهدد المنشآت النفطية وحركة الملاحة العالمية ويجعل الإمدادات العالمية تحت التهديد، ولكن الأسعار رغم ارتفاعها ومقارنةً بمعامل الخطورة لم تعكس حقيقة التهديد ولم تقيم الأسواق الحجم الحقيقي للمخاطر التي تهدد أسواق النفط.
فالمنطقة التي تنتج 33% من إنتاج النفط العالمي تتعرض لمخاطر بمعدلات عالية، فدولة عضو في دول أوبك ومجموعة أوبك بلس تتعرض للهجوم الذي شمل منشآتها النفطية ومعامل التكرير ومخازن الوقود، الدولة التي تطل على مضيق هرمز، حيث يمر خلاله أكثر من 20 مليون برميل يومياً ما يشكل خمس الإنتاج العالمي ومع ذلك فإن الأسعار توقفت عند مستوى تلك الارتفاعات ولم تعكس حجم المخاطر الحقيقة ومعامل الخطورة التي تشهدها المنطقة، يظل السؤال لماذا تتصرف الأسواق بهذه الطريقة رغم تاريخ الأسواق التي كانت تتوتر وترتفع الأسعار إذا عطس أحد منتجي النفط خوفاً من مرضه وتعطل الإنتاج.
الحقيقة أن الإجابة يكمن اختصارها في 3 أسباب رئيسية، الأول: أن الإمدادات النفطية لم تتوقف فعلياً على أرض الواقع فلا المضيق تم إقفاله رغم التلويح والتهديد بإغلاقه ولم تعلن أي دولة وقف أو حتى نقص في الإمدادات أو تغيير في التزاماتها من الإنتاج فالإمدادات ومعدلات الإنتاج حتى هذه اللحظة لم تتأثر بما فيها الإنتاج الإيراني نفسه الذي لا زال يتدفق عبر الخليج ومنه إلى الأسواق الآسيوية.
السبب الثاني: أن أكبر الاقتصادات العالمية الاقتصاد الأمريكي كما الاقتصادات الأوروبية لم تعد تعتمد على نفط الشرق الأوسط، فما يهدد الاقتصاد الأمريكي خصوصاً يرفع حساسية الأسواق وردة فعلها بشكل كبير، فأمريكا التي ترفع شعار الاستقلال في الطاقة أصبحت فعلاً أكثر اعتماداً على نفسها بل وقادرة على التصدير والمنافسة في الأسواق العالمية
أما ثالث الأسباب الذي يحد من الصعود الكبير في الأسعار بشكل يعكس المخاطر الحقيقة في الصراع الحالي: وجود سعة إنتاجية فائضة لدى كثير من الدول المنتجة فالأسواق لا تشعر بالنقص وإذا شعرت فقد يتم زيادة الإمدادات المتوفرة في أنابيب الإنتاج القادرة على دخول الأسواق متى قرر أحد المنتجين ذلك.
تلك الأسباب التي تحد من تحليق الأسعار عالياً وتمنعها من أن تعكس فعلياً حجم المخاطر الكبيرة، التي تحيط وتهدد منابع النفط في أكبر منطقة للنفط في العالم. ومع ذلك فإن تصاعد حجم المخاطر قد يجعلنا نرى تحليقاً عالياً في الأسعار، ولا سيما اذا أصبح مضيق هرمز أكثر ضيقاً!