نصف البشر في مناطق حضارية

إن نصف البشر على كوكب الأرض ـــ 3.5 مليار نسمة ـــ يعيشون في مناطق حضرية اليوم. والواقع أن عواصمنا تعمل كمحركات لنمو الاقتصاد العالمي الذي بدأ يخرج للتو من ظل أزمة مالية. ففي بنجالور، مسقط رأسي، يتدفق الاستثمار على مدينة في طليعة التحول الاقتصادي في الهند ــ وهي موطن شركات مثل شركة إنفوسيس، وشركة واي برو، واختارتها مجلة فوربس كواحدة من ''أسرع المدن نمواً في العقد المقبل''.
ولكن فيما يستعد مواطنو بنجالور للذهاب إلى صناديق الاقتراع في انتخابات الولاية، فإن مخاوفهم ليست اقتصادية فحسب. ذلك أن قصص النجاحات المالية في المدينة تحجب واقعاً أكثر قتامة ــ فقد تدهورت نوعية الحياة بالنسبة للعديد من سكان المدينة خلال السنوات الأخيرة.
إن انتقال الفقراء من المناطق الريفية إلى المدن الكبرى يشكل واحدة من الروايات المثالية في العصر الحديث. وتشجع الحكومات، التي تركز عادة على مقاييس فظة للأداء الاقتصادي، التوسع الحضري السريع.
ففي الصين على سبيل المثال، كان تخفيف القيود على الهجرة في ثمانينيات القرن العشرين وانفتاح الاقتصاد من الأسباب التي أدت إلى نمو مذهل للمدن في شرق البلاد. واليوم يقيم أكثر من 50 في المائة من الصينيين في مناطق حضرية، مقارنة بنحو 25 في المائة في التسعينيات، ومن المتوقع أن تبلغ النسبة 70 في المائة بحلول عام 2035.
ورغم أن أغلبية الهنود ما زالوا يعيشون في مناطق ريفية، فإن هذا أيضاً يتغير بسرعة. ففي غضون الفترة 1970-2010، سجل عدد سكان المناطق الحضرية في الهند نمواً بلغ 250 مليون نسمة. ومن المتوقع أن يضاف ربع المليار التالي من السكان في نصف ذلك الوقت. فبحلول عام 2030، سيكون نحو 70 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في الهند آتياً من مدنها.
ولكن المدن ببساطة غير قادرة على التأقلم مع تدفق المهاجرين بالمستويات الحالية. صحيح أن المناطق الحضرية السريعة النمو في الهند والصين والبرازيل وغيرها في الاقتصادات الناشئة الكبرى تقدم فرص عمل وفيرة، ولكن المرافق الأساسية ناقصة؛ ونتيجة لهذا فإن العديد من الفقراء في المناطق الحضرية يعيشون في أحياء عشوائية قذرة، دون رعاية صحية لائقة، أو إمدادات مياه أو طاقة كهربائية كافية.
والمشاكل كثيرة. فالبلديات عاجزة، بسبب الفساد أو سوء الإدارة غالبا، أو غير مستعدة لفرض قيود تنظيمية صارمة على التخطيط. والإنفاق على البنية الأساسية إما غير كاف أو رديء التوجيه. والعمال يعودون من أعمالهم إلى بيوت مظلمة، شديدة الرطوبة، ومثيرة للاكتئاب والحزن. وهم لا يشعرون بالأمان في الشوارع سيئة الإضاءة، ولا يستطيعون الوصول إلى المتنزهات ومرافق الترفيه. كما يضيع صباحهم ومساؤهم في الانتقال لمسافات طويلة على طرق سريعة ملوثة.
إن حداثة التحسن الاقتصادي السريع الذي شهده العديد من سكان المدن في الهند، والصين، وأماكن أخرى في الأعوام العشرة الماضية كانت سبباً في عزل الحكومات عن العواقب المترتبة على التخطيط الحضري الرديء. وبرغم هذا، فعندما أقوم بتمشيتي الصباحية عبر شوارع بنجالور، فإنني أشعر باستياء متزايد إزاء أوجه القصور، ويصيبني الإحباط عندما أشهد مدى نقص التحسينات اللازمة لنوعية حياة المواطنين.
من بين أكثر عشر مدن اكتظاظاً بالسكان على مستوى العالم، تضم الهند سبعا منها. فلفترة طويلة ظل الزحف العمراني لمدن مثل دلهي، ومومباي، وتشيناي، وبنجالور مستمراً بلا ضابط أو رابط أو تخطيط، وفي ظل نقص واضح في الاستثمار في البنية الأساسية. وساهم التلوث في المناطق الحضرية في وفاة 620 ألف مواطن في الهند بلا ضرورة العام الماضي، بين السكان الأكثر فقراً في الأساس. كما تضاعف عدد الناس الذين يسكنون العشوائيات القذرة على مدى العقد الماضي، والآن أصبح هذا العدد أكبر من عدد سكان المملكة المتحدة.

خاص بـ ''الاقتصادية''
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2013.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي