أطفال الصين يستهلكون نصف حليب البودرة في العالم
لم تشهد بريطانيا منذ سنوات طويلة "تقنين" أو "تحديد" للكميات المستخدمة لسلعة من السلع، لكن الشعب البريطاني ودون سابق إنذار فوجئ بإعلان لعدد من كبار محال توزيع السلع الغذائية والاستهلاكية، بتقنين للكمية المسموح بشرائها لكل مواطن من علب حليب البودرة للأطفال. ولم يكن السبب زيادة الطلب أوالاستهلاك المحلي أو نقص في المعروض جراء عوامل داخلية، لكن السبب هو زيادة الطلب الصيني على حليب الأطفال.
شركة دانون التي تنتج بعضا من أشهر أنواع حليب البودرة للأطفال ومن أبرزها "ابتميل" و "كاواند جيت" أعلنت أن بعض محال بيع السلع الغذائية فرضت على المستهلك البريطاني عملية تقنين لشراء منتجات الشركة، بحيث لا يزيد المسموح بشرائه على علبتين من حليب البودرة لكل مستهلك، وذلك لمنع تصديره خارج المملكة المتحدة "بطرق غير شرعية".
عملية تقنين المبيعات، طالت أيضاً منتجات شركة نستله الشهيرة، رغم أن الشركة أعربت في بيان لها أنه لا يوجد لديها نقص في المخزون.
راول داش أحد المسؤولين في قسم المبيعات في سلسلة سينسيبري الشهيرة لتوزيع السلع الغذائية والاستهلاكية التي قامت بتحديد الكميات التي يسمح للمستهلك بشرائها من حليب البودرة للأطفال قال لـ "الاقتصادية": إن"عملية التقنين كانت الحل الوحيد أمامنا، ففي الأشهر الأخيرة وجدنا زيادة كبيرة للغاية وغير مبررة في الكميات المستهلكة من حليب البودرة للأطفال، وبفحص عمليات الشراء التي تمت وجدنا أن أشخاصا يقومون بشراء أعداد كبيرة في كل مرة وأحيانا تصل إلى مائة علبة، وبفحص الكاميرات والكريدت كارد، وجدناهم جميعاً صينيين، بالطبع أخبرنا الشرطة"، ويضيف "لا توجد أي جريمة في الموضوع، ولذلك كان الإجراء الوحيد أمامنا هو تقنين عملية البيع".
الصحافية ساندرا دويين تؤكد أن عملية التقنين لم تقف فقط عند حدود بريطانيا، بل طالت أيضا أستراليا ونيوزيلندا وهونج كونج.
وتقول لـ "الاقتصادية". الأمهات في الصين يسعين لإطعام أبنائهم حليب بودرة بمواصفات عالمية، وألا يكون "صنع في الصين"، وذلك في أعقاب فضيحة حليب الأطفال الملوث والتي كشف عنها عام 2008 وأسفرت عن مصرع ستة أطفال وإصابة نحو 300 ألف بأمراض، منذ ذلك التاريخ زاد الطلب بشكل ملحوظ من قبل الصينيين على حليب البودرة المستورد للأطفال"، وتضيف "أيضا الارتفاع المتواصل في مستوى معيشة الطبقة المتوسطة الصينية سبب آخر للتوجه لشراء حليب البودرة المستورد"
كانت السلطات الأسترالية قد قامت في بداية العام الراهن بإجبار محال توزيع السلع الغذائية على تحديد الكميات التي يسمح لكل مستهلك بشرائها من حليب الأطفال، بعد أن تم الكشف عن مجموعات من السياح الصينيين يقومون بشراء كميات كبيرة من حليب الأطفال وإعادة تصديره للصين بطرق غير رسمية او بيعه عبر الإنترنت.
أما هونج كونج فقد كانت أكثر قسوة في طبيعة التدابير التي اتخذتها، بعد أن تعرضت الأسواق المحلية لنقص كبير في حليب الأطفال.
والآن غير مسموح بمغادرة هونج كونج إذا كان المسافر يحمل أكثر من 1.8 كيلو جرام من حليب البودرة للأطفال، كما تم اعتقال عشرة مسافرين بتهمة حيازة كمية أكبر من االمسموح بها من حليب الأطفال.
وقدر استهلاك الصينيين من حليب البودرة للأطفال العام الماضي بنحو 14.5 مليار دولار، ويتوقع أن يتضاعف هذا الرقم في غضون أربع سنوات ليصل لنحو 29 مليار دولار، وهو ما يوازي نصف قيمة الاستهلاك العالمي من حليب البودرة للأطفال، وستنصب الزيادة المتوقعة في الأساس في زيادة الطلب على الحليب المستورد رغم الجهود الحكومية في استعادة ثقة المستهلك بالصناعة المحلية.
كريس ساند أحد رجال الأعمال الذين يقومون بالاستيراد من الصين يعتبر أن هناك عوامل اقتصادية مباشرة تتعلق ببروز هذه الظاهرة ، ويقول لـ "الاقتصادية": العديد من سفن الشحن المحملة بمئات وربما الآلاف من الحاويات تعود فارغة من أوروبا وأستراليا إلى الصين. ومن ثم فإن رجال الأعمال الصينيين يجندون طلاب الجامعة والمهاجرين الصينين في بريطانيا، لشراء أكبر كمية ممكنة من حليب البودرة للأطفال، وتصديره إلى الصين في تلك الحاويات الخالية، ومن ثم فإن تكلفة التصدير تكاد تكون معدومة"، ويضيف "متوسط سعر علبة حليب البودرة للأطفال في المملكة المتحدة ثمانية جنيهات استرلينياً، تباع في الصين بما يعادل 17 جنيهاً استرليني، وهو ما يضمن تحقيق معدل ربح مرتفع، حتى إذا أخذنا في الحسبان تكلفة الشحن بالبريد السريع وهي 50 جنيها استرلينيا لكل ست علب".