وأين كان صندوق النقد الدولي؟

ذكرنا أن انعدام أو تخفيف الرقابة على النشاطات الاقتصادية وخاصة المصارف قاد إلى هذه المصائب المالية العالمية (''الاقتصادية'' ـــ نحترم مَن ونثق بمَن تاريخ / / 2013).
وأين كان صندوق النقد الدولي من كل هذا، وهو الذي كان من المفترض أن يكون خط الدفاع المالي العالمي الأول من الناحية التنظيمية على الأقل.
كان مشغولا بنشر نصائحه الجاهزة لكل من طلبها: دع القطاع الخاص يعمل وأبعد الدولة من التدخل وابدأ بالتخصيص وأول خطوة لإعادة هيكلة الاقتصاد هي إلغاء، تقريبا، كل الإعانات المطبقة في الاقتصاد (أفكار ريجان وتاتشر).
هذه نصائحه الرئيسية لا يفرق بين مستوى تنمية بلد عن آخر ولا عن عدالة توزيع الدخل أو قدرة الطبقات الفقيرة على تحمل إلغاء المعونات فورا. وهكذا واجه من أنصت وطبق نصائحه إلى مظاهرات عارمة أجبرت الكثير من الحكومات إلى إعادة الإعانات بالذات بعد إلغائها مما حدا بأحد زعماء الدول المعنية إلى تسميته بصندوق النكد الدولي.
ومنذ انحراف هذا الصندوق ومعه البنك الدولي تحت ضغط محترفي السياسة، عن أهدافه التي على أساسها أنشئ كانت نظرة الاقتصاديين نحوه تتصف بعدم الثقة والاحترام.
ترقص فرحا الكثير من الدول حين يعلن صندوق النقد الدولي إحصاءات اقتصادية إيجابية عنها وكأن رأيه مقدس لا يرقى إليه الشك لا من قريب أو بعيد.
والمضحك حقا والمؤلم في الوقت نفسه هو أن هذه الدول بمؤسساتها الرسمية هي مصدر هذه الأرقام الإيجابية. فالصندوق لا يملك مصادر تزويد إحصاءات مستقلة له غير حكومات أعضائه. وليس لديه مسوحات ميدانية، والتي هي أكثر حداثة من الإحصاءات الرسمية في أغلب الأحيان، لكل نشاط اقتصادي في دولة عضو فيه. ولنتذكر أن حبل التضليل قصير ولا يصح في النهاية إلا الصحيح.
ألم يجد الاتحاد الأوروبي، في السنة الماضية، أن اليونان قبلت عضوا في الاتحاد على أساس أرقام عن اقتصادها تبين فيما بعد أنها غير صحيحة وخاصة بالنسبة للدين العام وعجز الميزانية؟
فمن قدم مثل تلك الأرقام المضللة، وها هو الاتحاد الأوروبي يدفع الثمن، أيخجل أن يقدم أرقاما مضللة إلى هيئة عالمية مثل الصندوق الدولي؟ إذن ومع بعض الاحترام للصندوق دعنا نخفف من فرحتنا حين يعلن الصندوق أرقاما إيجابية عن اقتصاد ما. لا بل الواجب أن نبدأ بالتمحيص والتدقيق فليس كل ما يعلن من قبل الصندوق هو الصدق بعينه ولا صدق غيره. وأخيرا وبعد كل المصائب الاقتصادية التي حدثت وما زالت مستمرة وتكلفتها العالية من بطالة وديون في هذا العالم، ها هو الصندوق يبدأ بتغيير فلسفته ويعترف بأن القطاع الخاص فشل في تحمل المسؤولية الاجتماعية خاصة نحو المجتمع وأنه ليس المصدر الوحيد لتنمية بلد ما مهما آمنا بكفاءة آلية السوق. ولهذا فتدخل الدولة ليس ضارا دائما كما كان يعتقد ومن معه من منظري السياسة النقدية واقتصاد العرض.
ولهذا يعتقد الكثير من المفكرين أن هذا الصندوق تنقصه النزاهة الفكرية والشجاعة الأدبية في الكثير من الأحيان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي