خلل في قياس احتياجاتنا من العمالة الأجنبية

[email protected]

إذا كان مرتب عامل النظافة 300 ريال، وهذا هو فعلا مرتب العامل الأجنبي الذي يقوم بهذا العمل في سوق العمل السعودية حاليا، فلن يكون هناك مواطن واحد على استعداد للقبول بهذا العمل، إلا أن الاستنتاج من ذلك أنه لا يوجد مواطن يقبل العمل في وظيفة عامل نظافة, وبالتالي لا بد من أن يكون كل شاغلي هذه الوظائف من العمالة الأجنبية استنتاج خاطئ يجانبه الصواب تماما. فلو ارتفع مرتب هذه الوظيفة إلى خمسة آلاف ريال، على سبيل المثال، لأصبح هناك عشرات الآلاف من المواطنين الراغبين في هذه المهنة ولما أصبحت مهنة مرفوضة. لذا فالمواطن في الواقع لا يرفض وظائف معينة وإنما يرفض أجرها المتدني، والفرق بين الأمرين يجب ألا يغيب عنا مطلقا إن كنا جادين فعلا في سعينا إلى إنجاح جهود السعودة. في البحرين، على سبيل المثال، عندما فرض على محطات الوقود توظيف العمالة المواطنة براتب قدره ثلاثة آلاف ريال سعودي أصبح هناك تنافس محموم على هذه المهنة وتقدم لها حتى الجامعيون، وأصبح هناك قوائم انتظار للراغبين في هذا العمل، وقبل وضع هذا التنظيم من المؤكد أن معظم الناس كانوا على قناعة راسخة بأن هذه وظيفة لا يقبل بها المواطن ولا بد من توظيف عمالة أجنبية للقيام بها.
لذا, فتحديد نسبة ما من وظائف مهنة معينة يلزم شغلها بسعوديين بناء على تقديرات لنسبة العمالة المواطنة التي يتوقع توافرها وفق معطيات سوق العمل الحالية يوصل إلى نتائج مضللة غير واقعية، فأي وظيفة مرتبها متدن لن يقبل بها مواطن، ولو تدنت أجور كل وظائف اقتصادنا لما وُجد مواطن واحد يقبل العمل في أي وظيفة أو يهتم بالاحتفاظ بموقع عمله. وهذه القراءة غير الواقعية لسوق العمل السعودية تفسر ما يلاحظ في الفترة الأخيرة من تراجع وتقهقر في جهود السعودة رغم كل ما كان يقال من كونها خيارا استراتيجيا وقضية وطنية يجب أن تكون فوق كل مصالح شخصية. فكلما زادت العمالة الأجنبية المؤدية لمهنة معينة تدنى مستوى أجر المواطن في هذه المهنة, وبالتالي تراجع عدد المواطنين المستعدين لقبول العمل بهذا الأجر، الذي بدوره يبرر خفضا إضافيا في نسبة السعودة المطلوبة في هذه المهنة، وزيادة العمالة الأجنبية تملي انخفاضا إضافيا في مستوى أجر من يقوم بهذا العمل، ما يقلل من أعداد العمالة السعودية المستعدة لقبول هذا العمل، وتستمر هذه الحلقة المفرغة حتى نصل إلى نقطة الصفر في جهود السعودة من جديد. وما لم تنتبه وزارة العمل إلى هذا الخلل في نظرتها إلى واقع سوق العمل فستنهار جهود السعودة ويقتنع الجميع بأنها قضية خاسرة غير قابلة للنجاح، وسيصل الإحباط لدى القائمين على وزارة العمل إلى درجة أن يرددوا مقولات أشد أعداء السعودة في القطاع الخاص حول عدم رغبة المواطن في العمل في القطاع الخاص أو افتقاره إلى التدريب المناسب أو تواضع أخلاقيات العمل لديه وغيرها من أوهام، متجاهلين أن ما يزيد على 90 في المائة من العاملين في شركة أرامكو أو سابك مواطنون والفرق الوحيد بينهم وبين من يشتكي القطاع الخاص من مستوى أدائهم هو فقط مستوى الأجر, أما الكفاءة والاستعداد لبذل الجهد فتحصيل حاصل عندما يكون الأجر جاذبا للعناصر المؤهلة.
ما يجعل قرار وزارة العمل أخيرا بخفض نسبة السعودة في المشاغل النسوية إلى 10 في المائة بعد أيام قلائل فقط من إعلانها أن البطالة بين المواطنات تفوق نسبتها 25 في المائة لا يخلو من تناقض عجيب، فإما أن هناك نقصا في الراغبات في العمل من السعوديات وبالتالي لا توجد بطالة نسائية على الإطلاق، أو أن تكون معدلات البطالة مرتفعة جدا بحيث يصبح من غير المعقول قبول أي ادعاء بعد توافر مواطنات يقبلن العمل في أي مجال أو مهنة كانت. فقد علمت أن خريجات مركز تدريب خياطة خيري أقيم في الرياض لم يستطعن الحصول على عمل في المشاغل النسائية وبقين في بيوتهن رغم فاقتهن وحاجتهن الشديدة، فعرض مرتب متدن على مواطنة راغبة في هذا العمل تضطر معه إلى الرفض هو في واقع الأمر طرد لها عن العمل، فكيف نستنتج منه عدم وجود عدد كاف من المواطنات اللاتي لديهن الاستعداد للقيام بهذا العمل؟ ومن المؤكد وفي ظل ارتفاع نسبة البطالة بين الإناث أن هناك أعدادا هائلة من المواطنات اللاتي يقبلن بهذا العمل وأي عمل آخر، إلا أن تدني الأجور المعروضة يجعل المواطنة يرى أن البقاء في البيت دون عمل أفضل من العمل لساعات طوال بأجر متدن، وعلينا في الواقع أن نستغرب قبولها بهذا العمل لا أن نعتبر رفضها دليلا على عدم توافر العمالة المواطنة التي تقبل به، ودليلا جديدا على استحالة عملية السعودة ومن ثم نفتح أبواب سوق العمل مشرعة أمام العمالة الأجنبية، فمسؤوليتنا الأخلاقية والاجتماعية هي في خلق بيئة العمل المناسبة لنجاح السعودة لا أن نقبل مبررات القطاع الخاص ونردد مقولاته الزائفة, فثمن الفشل أكثر من باهظ.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي