يتحدثون عن سُنّة إيران .. دون علم!

على هامش زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أخيرا للقاهرة خرج علينا نفر من الكتاب ومحللي الفضائيات، ومعهم أيضا علماء دين من الأزهريين والسلفيين ليعترضوا على ما يلاقيه ''السنة في الأحواز'' من مظالم وانتهاكات لأبسط حقوقهم. ولو أن هؤلاء تناولوا مظالم سنة إيران بصفة عامة دون تحديد مكانهم لما كان هناك داع لكتابة هذا المقال. ذلك أن تشديدهم على سنة الأحواز تحديدا كطرف يتعرض للظلم يكشف عن قصور فاضح لديهم في فهم الأوضاع والسياسات والتقسيمات الديموغرافية في إيران. وهذا، بطبيعة الحال، ناجم عن خلو جامعاتنا وكلياتنا من مراكز بحثية متخصصة بالشأن الإيراني، مقابل عديد من المراكز الفارسية المتبحرة في كل ما له علاقة بالأوضاع والشؤون الخليجية والعربية السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية.
فالأحواز (جمع حوز، وهي مصدر للفعل حاز وتستخدم للدلالة على الأرض التي يبيّن المرء حدودها ويتملكها) والتي أطلق العرب عليها هذا الاسم عند الفتح الإسلامي لها، ونطقه الفرس ''الأهواز'' بسبب خلو أبجديتهم من حرف الحاء، قبل أن يسميها الصفويون بـ''عربستان'' أي الأراضي العربية، وقبل أن يختار لها رضا شاه الكبير اسم ''خوزستان'' أي بلاد القلاع والحصون بعد احتلاله لها في عشرينيات القرن الماضي، وتصفية حكامها العرب من بني كعب، هي محافظة لئن كانت أكثرية سكانها من العرب، فإن أغلبيتهم من الشيعة وليس السنة، وهم يتكلمون اللهجة الأحوازية الشبيهة باللهجة العراقية، وبالتالي فإن سنة الأحواز لا يشكلون سوى أقلية، شأنهم في ذلك شأن الأقلية السنية في كرمانشاه، ولارستان، والمدن المركزية الكبرى.
ومن هنا، كان الأجدر بمن أراد إيصال رسالة احتجاج إلى نجاد أن يتحدث عن اضطهاد السنة وانتهاك حقوقهم الأساسية في مناطق ومحافظات أخرى كمحافظات سيستان وبلوتشستان، وهرمزكان''، وغيلان، وخراسان''، وكردستان.
ففي الأولى يشكل البلوش الأكثرية وهم من السنة الحنفية، وفي الثانية التي تشمل ''لنجة'' وامتداداتها من مدن وبلدات في بر فارس العربي وسواحله المواجهة لسواحل دول الخليج العربية يشكل السنة أيضا الأكثرية، وهم من الشوافع. وفي الثالثة معظم السكان هم من التركمان السنة من أتباع المذهب الحنفي، وفي الرابعة يكثر السنة من متبعي الطريقة الحنفية النقشبندية، خصوصا في شرقها المحاذي لحدود إيران الشمالية مع تركمانستان وحدودها الشرقية مع أفغانستان. أما في كردستان، التي تمتد من مدينة قصر شيرين شمال الأحواز إلى حدود أرمينيا على طول حدود تركيا، فإن أكثرية السكان تتبع المذهب السني الشافعي.
وطبقا للبيانات الرسمية الإيرانية، فإن سكان إيران ينتمون إلى 30 قومية متنوعة ويبلغ تعدادهــم اليوم نحو 73 مليون نسمة، يشكل منهم الفرس 51 في المائة والآذاريون الأتـراك 24 في المائة، والأكراد نحو 9 في المائة، والجيلاك والمازندرانيون نحو8 في المائة، والعرب 3 في المائة، والبلوش 2 في المائة، والبقية من أعراق مختلفة. غير أن هناك من يدحض هذه البيانات ويؤكد أن نسبة العرب ضمن مكونات الشعوب الإيرانية تبلغ نحو 8 في المائة، خصوصا إذا ما أخذنا في الاعتبار أنهم يشكلون 95 في المائة من سكان الأحواز أو 3.5 مليون نسمة. هذه النسبة التي كانت أكبر في الماضي، لكنها تراجعت بسبب سياسات نظام طهران الحالي الهادفة إلى إحداث تغييرات ديموغرافية في هذا الإقليم النفطي والاستراتيجي المهم (اُكتشف النفط فيه عام 1908، وتنتج حقوله اليوم ما بين 3.5 وأربعة ملايين برميل من النفط يوميا، و9500 مليون مترمكعب من الغاز، محققة للنظام الإيراني دخلا يفوق 17 مليار دولار). هذا ناهيك عن أن العرب يشكلون 50 في المائة من سكان محافظة هرمزكان أو 1.5 مليون نسمة، إضافة إلى نصف مليون نسمة يقطنون في أقاليم إيرانية متفرقة.
أما لهجة التقسيمات المذهبية والدينية، فإن المعروف تاريخيا أن أهل السنة من الشوافع والأحناف كانوا يشكلون أكثرية سكان إيران، فيما كان الشيعة أقلية محصورة في مدن مثل قم، وقاشان، ونيسابور، وطوس (مشهد). لكن الصورة تغيرت في سنة 907 للهجرة بوقوع السلطة في يد الشاه إسماعيل الصفوي الذي أجبر أهل السنة على التشيع وسب الخلفاء الراشدين الثلاثة، وسفك من أجل تحقيق هدفه دماء غزيرة بوحشية. ومذاك توزع من تمسك بمذهبه السني ونجا من مجازر الشاه الصفوي على أطراف إيران، تاركا المركز لهيمنة الشيعة.
وتختلف الأرقام الإحصائية حول نسبة أهل السنة في إيران إلى العدد الإجمالي للسكان من مصدر إلى آخر. فمصادر النظام الحالي تقول إنهم لا يتجاوزون الـ10 في المائة، علما بأن المصادر الرسمية زمن النظام السابق كانت تقدرهم بـ30 في المائة. أما المصادر المستقلة فتقول إن نسبتهم تتجاوز 20 في المائة.
ومن الأهمية بمكان في هذا السياق أن نتحدث عن الديانات الموجودة في المجتمع الإيراني الفسيفسائي، خلاف الدين الإسلامي. فهناك مثلا البهائية (يقدر عدد أتباعها بنحو 300 ألف نسمة)، والزرادشتية (يزيد عدد أتباعها على 22 ألف نسمة)، واليهودية أو من يطلق الفرس على معتنقها الفرد اسم ''كليمي'' بمعنى أنه من أتباع كليم الله النبي موسى (كان عددهم قبل الثورة الخمينية يقدر بمئات الآلاف، لكنهم اليوم لا يتجاوزون 25 ألفا)، والمسيحية (وجل أتباعها من الإيرانيين الأرمن الذين وصل عددهم في ظل النظام الشاهنشاهي إلى نصف مليون، لكنهم اليوم لا يزيدون على 75 ألف نسمة).
وعلى الرغم من هذا التنوع العرقي والديني في المجتمع الإيراني، فإن الدستور الذي وضعه النظام الفقهي الحالي بــُعيد وصوله إلى السلطة في 1979 تحت شعارات تحقيق الديمقراطية والعدالة والمساواة والحقوق نص في مادته 12 على أن ''الدين الرسمي لإيران هو الإسلام والمذهب الجعفري الاثني عشري، وهذه المادة تبقى إلى الأبد وغير قابلة للتغيير''، ونص في مادته 13 على أن ''الإيرانيون الزرادشت واليهود والمسيحيون هم وحدهم الأقليات المعترف بها''، ونص في مادته 15 على أن ''اللغة والكتابة الرسمية المشتركة لشعب إيران هي الفارسية، ويجب أن تكون الوثائق والمراسلات والنصوص والكتب المدرسية بهذه اللغة''.
وهكذا، نستنتج من المواد الدستورية السابقة أن كل المناصب الكبرى في إيران حكر على الشيعة، وبالتالي فإن أتباع المذاهب والديانات الأخرى لا تنطبق عليهم صفة المواطنة وما يشتمل عليها من حقوق. ونستنج أيضا أنه لا يجوز إصدار تشريعات تخالف المذهب الجعفري الاثني عشري!

المزيد من الرأي