كيف يُقاس أداء وزارة العمل؟
ذكر تقرير للبنك الدولي أن تحويلات الوافدين بلغت 100.13 بليون ريال في عام 2011 بزيادة 6.5 في المائة عن العام السابق، ومن المتوقع أن تصل إلى 106.5 بليون لعام 2012 وبنسبة أعلى من النمو الاقتصادي مما يدل على أن النمو الاقتصادي في المملكة غير متوازن في أحسن الظروف، وغير ذي قيمة مضافة في أسوأ الأحوال، على الأقل من خلال هذا المعيار. بلغت التحويلات 727.5 مليار ريال من عام 2000 وحتى عام 2010. تأخذ "العمل" بسياسة الإحلال في محاولة بسيطة للحد من البطالة علماً بأن الزيادة في الاستقدام أعلى من نمو المواطنين سكانياً وفي القطاع الخاص. هناك لغط وخلافات حول السياسة العمالية يمتد إلى طبيعة سياسة التوطين ومعايير قياس النجاح أو عدمه، وهذه أصبحت أداة في يد المناصرين والخصوم. ولذلك أرى أن المعيار الحقيقي حجم وطبيعة التسرّب المالي الذي يعكس العلاقة الحقيقية بين مستوى العلاقة والتجاذب بين العمالة الوطنية والوافدة. هذا النزيف المالي يوضح مدى الضرر، ولعله أفضل معيار لقياس الأداء.
في حديث لوزير العمل ذكر أن المملكة تمر بمرحلة استثنائية في البنية التحتية وقطاع الإنشاءات، ولذلك فإن النمو غير العادي للعمالة الوافدة مؤقت، ولكنه لم يذكر عوامل أخرى أرى أنها على قدر كبير من الأهمية مثل توجّه الحكومة إلى مزيد من التوظيف الحكومي مما قلل فرص السعوديين الواعدين للقطاع الخاص، وهذا أعطى فرصة أكبر للوافدين، كذلك نشهد تحولاً كبيراً في مرونة الحكومة، وخاصة في المؤسسات الحكومية الجديدة التي استغلت المرونة الجديدة في التوسع في توظيف الوافدين تحت أعذار بعضها مشروع وأغلبها استغلال للمرونة دون مساءلة، ومما زاد التأثير أن الرواتب أعلى في الغالب من القطاع الحكومي التقليدي. وأخيراً اتجه الكثير من الجهات الحكومية إلى الاستعانة بالمكاتب الاستشارية دون معيار حقيقي للقيمة أو الكفاءة وحتى التكلفة أحياناً، فكم من دراسة انتهت إلى الرفوف.
العلاقة بين التحويلات الخارجية والتوطين وثيقة في الجوهر، ولكن لا نسمع عنها أبداً لأسباب عدة، منها أن التفكير لدينا يفتقد الشمولية والعمل المؤسساتي، تفصيليا بدا وكأن وزارتَيْ الاقتصاد والمالية أبعد ما تكونان عن وجع الرأس في السياسة العمالية، وكأن الطاقة البشرية وتسرّب النقد الأجنبي لا يخصانهما. وأيضاً بسبب غياب ثقافة تأصيل معايير القياس والنجاح، فلدينا جنوح نحو الخطوط العريضة والمثاليات، ولكن القياس المادي الرصين يصعب علينا غالبا قبوله وتكييفه مهنياً. العامل الآخر أن النموذج الاقتصادي برمته لا يأخذ من القيمة المضافة معيارا، بل يأخذ بسياسات التعويض بدلا منها. فالحديث عن عدد الوظائف دون اعتبارات أخرى حولها، وكذلك نقد التعليم على الرغم من أن أغلب الوافدين أقل تعليماً في الغالب.
أرى أن مقدار المال جباية وتوفيره هو المعيار والآلية وغيره في هذه المرحلة ما هو ملاحقة للسراب ومزيد من الضياع. فالرسوم جباية لتغيير مستوى التكلفة ليصبح المواطن أكثر جاذبية من الوافد. وتوفير المال لتوسيع وتعميق القيمة المضافة في الاقتصاد، فكل مواطن يعمل يدخل في تراكم المعرفة والمال وطنياً. الفصل بين التحويلات المالية والتوطين يدل على أن محاولاتنا في التعامل مع السياسة العمالية وتداعياتها المحركة غير متوازنة وفاقدة للبوصلة الاقتصادية مهما حسنت النيّات. لوزارة العمل نواة برنامج للمتابعة بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة مثل مؤسسة النقد. متابعة أداء وزارة العمل من خلال تحويلات الوافدين معيار مهم يجب عدم إغفاله حيث إنه مُحكم للسياسة العمالية من منطلق أكثر عمق وشمولية.