ساعات العمل في القطاع المصرفي.. نموذج يحتذى

يدور جدل في وسط قطاع الأعمال السعودي منذ وقت طويل حول قصر ساعات عمل القطاع الخاص على فترة واحدة ومنح الموظفين، بذات القطاع، إجازة يومين أسبوعياً (الخميس والجمعة) مدفوعة الأجر بدلا من يوم واحد، والذي هو حالياً يوم الجمعة.
ما عزز من قوة هذا الجدل، استبشار موظفي القطاع الخاص في المملكة العربية السعودية بالنوايا المبدئية الحسنة التي أعلنها وزير العمل بشأن دراسة تعميم فكرة حصول موظفي القطاع الخاص على إجازة يومين أسبوعيا بدلا من يوم.
رغم أن المشروع لا يزال حبراً على الورق، ولم تتخذ فيه أي خطوات أو إجراءات رسمية من قبل الدولة، إلا أنه وجد صدى كبيرا لدى الموظفين الأهليين، والذي قد لا يكون بنفس المستوى والقوة من قبل أرباب العمل في القطاع الخاص، نتيجة للرغبات المتباينة بين الطرفين (الموظفين وأرباب العمل).
تباين وجهات النظر بين الطرفين سببه يرجع إلى أن أرباب العمل في القطاع الخاص ينظرون إلى الأمر من جانب ربحي بحت، كون أن إجازة اليومين سترفع لديهم من قيمة تكاليف التشغيل، إضافة إلى أنها ستضيع عليهم فرص تحقيق المزيد من الإيرادات وكسب الأرباح، في حين أن موظفي القطاع ذاته ينظرون إلى إجازة اليومين على أنها ستكون بالنسبة لهم بمثابة دافع قوي لبذل المزيد من الجهد في العمل، كونها تمنحهم المزيد من الراحة الجسدية والعقلية اللازمة لتجديد طاقة الإنسان واستعادة حيويته، إضافة إلى أنها ستمكنهم من قضاء أوقات أطول مع أسرهم وإنجازهم لأمورهم ومتطلباتهم الخاصة.
نتيجة لهذا التباين في الرؤى والاتجاهات بين أرباب العمل وموظفي القطاع الخاص، يخشى الموظفون في القطاع الخاص استخدام رجال الأعمال نفوذهم وسيطرتهم وهيمنتهم على قطاع الأعمال في السعودية، في إبطال وإجهاد أي محاولات لتمرير مشروع إجازة اليومين، رغم شكي في ذلك؛ كون أن وزارة العمل قد أثبتت للمجتمع السعودي أخيرا أن قرارات الوزارة نافذة ولها هيبتها دون أي مجاملة أو محاباة لرجال الأعمال في القطاع الخاص، طالما أنها في مصلحة المواطن والقطاع الخاص على حد سواء، ولا تتسبب بالإضرار بمكتسبات ومقدرات الاقتصاد الوطني.
القطاع المصرفي في المملكة العربية السعودية نموذج يحتذى به على مستوى القطاعات والأنشطة الاقتصادية والمالية والاستثمارية الأخرى في المملكة، كونه من بين القطاعات الأولى على مستوى البلاد التي شرعت في تطبيق فترة العمل الواحدة، وتعميم ذلك على أوقات عمل الإدارة العامة والفروع، إضافة إلى منح موظفيها إجازة يومين متصلة خلال الأسبوع (يومي الخميس والجمعة). لا أنكر بأن بداية التطبيق لهذا التنظيم قبل عدة سنوات كان يحوم حوله بعض الشكوك، وبالذات حول قدرة المصارف على الاستمرار في تقديم خدماتها المصرفية لعملائها بالجودة والنوعية المطلوبة وكما كان عليه واقع الحال قبل تطبيق التنظيم، إلا أنه سرعان ما تلاشى ذلك التوجس والتخوف نتيجة للتطبيق المدروس، وتحقيق فوائد عديدة وعظيمة من وراء التطبيق تمثلت في المقام الأول في الراحة النفسية والعقلية والجسدية التي عادت على موظف المصرف، الأمر الذي أسهم بفاعلية في التعزيز من قدرته الإنتاجية وحبه للعمل ومضاعفته للجهود في تحقيق الأهداف المنشودة للمصرف. كما أن ذلك التنظيم لم يؤثر أي تأثير سلبي يذكر في تعاملات العملاء مع المصارف وقدرتهم على تنفيذ عملياتهم المصرفية بسهولة ومرونة عالية وسرعة فائقة، لتوافر التقنية المصرفية رفيعة المستوى التي تضاهي مثيلاتها على مستوى العالم المتقدم، والتي مكنت عملاء المصارف من إنجاز تعاملاتهم المصرفية بيسر وسهولة دون الحاجة إلى التواجد في فروع المصارف.
إن دوام عمل الفترة الواحدة في المصارف وتمتع موظفيها بإجازة يومين في الأسبوع، ساعد على تحقيق المصارف نسب سعودة وتوطين للوظائف تعد الأعلى على مستوى القطاعات والأنشطة الاقتصادية الأخرى في المملكة، والتي تجاوزت نسبة 86.4 في المائة، بل إنها تجاوزت في بعض المصارف نسبة 90 في المائة، إضافة إلى أن ذلك التنظيم قد ساعد المصارف التجارية العاملة في المملكة على تحقيق نتائج مالية مبهرة رغم تعرض معظم المصارف التجارية على مستوى العالم لصعوبات مالية كبيرة أدت إما إلى إفلاسها وانهيارها أو إلى إلحاق أضرار مالية كبيرة بمراكزها المالية نتيجة للأزمة المالية العالمية التي حلت بالاقتصاد العالمي في منتصف عام 2008 وما تبعها من أزمات عالمية أخرى.
من هذا المنطلق، ونظراً للإيجابيات العديدة المتحققة للقطاع المصرفي من تطبيق فترة عمل الدوام الواحد ومنح موظفيه إجازة يومين متصلة في الأسبوع؛ يتطلع العاملون في القطاعات والأنشطة الاقتصادية الأخرى، وبالذات قطاع التجزئة في المملكة العربية السعودية، إلى تبني قرار القطاع المصرفي بتوحيد ساعات العمل، وقصر فترة العمل على فترة واحدة، ومنح الموظفين إجازة يومين في الأسبوع متصلة (يومي الخميس والجمعة)، لا سيما أن قطاع التجزئة في المملكة يعد القطاع الأكثر استيعاباً وقدرة على توظيف المواطنين السعوديين، كما أن هذا الأمر معمول به ومطبق في معظم دول العالم المتقدم، ويتوقع له أن يعمل على التحسين من مستوى إنتاجية العامل، والتعزيز من نسب سعودة القطاع، الذي يعاني في الوقت الراهن من سيطرة العمالة الوافدة عليه بنسبة توظيف تتجاوز 83 في المائة.

طلعت بن زكي حافظ
كاتب ومستشار اقتصادي
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
@TalatHafiz

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي