مسكين طالب العمل السعودي

نعيش الآن في أزهى مراحل الاقتصاد السعودي، حيث حجم الإنفاق الضخم غير المسبوق في تاريخ المملكة، والمشاريع الكبيرة، وتصاعد زخم تأسيس المشاريع المشتركة بدعم وتمويل ومشاركة من الحكومة بين القطاع الخاص والمشاركة الأجنبية، خصوصا في مجالات البتروكيماويات، والطاقة وصناعة النفط، والخدمات المالية، ولكن طالب العمل السعودي لم يكن محظوظا لجني ثمار هذه المرحلة الذهبية لاقتصاد للمملكة. بل على العكس، ما تحقق على أرض الواقع هو نمو ضئيل في حجم الوظائف المتاحة للعمالة السعودية لا يتناسب بأي حال من الأحوال مع حجم الداخلين لسوق العمل ولا مع العصر الذهبي الذي تعيشه المملكة.
في عام 2011 لم يستطع القطاع الحكومي والقطاع الخاص إلا خلق نحو 34 و119 ألف فرصة وظيفية للعمالة المحلية، على التوالي. وإذا كان عدد المسجلين في برنامج حافز يبلغ أكثر من 1.2 مليون مستفيد (مستثنى من هذا العدد من كان عمره يربو عن 35 سنة أو لم تنطبق عليه معايير حافز)، وعدد الطلبة الدارسين في الجامعات وبرنامج خادم الحرمين للابتعاث أكثر من مليون، كم يا ترى سيكون عدد العاطلين عن العمل في السنوات القليلة المقبلة؟ وكيف سيكون بالإمكان خلق وظائف تتناسب ومؤهلات وتطلعات وطموحات طالب العمل السعودي؟ وإذا كان عدد العاملين من السعوديين في القطاع الحكومي والقطاع الخاص في عام 2011 نحو 1.76 مليون، كيف سيكون بالإمكان خلق وظائف لأكثر من مليوني طالب عمل في مدة قصيرة؟
إذن، ما الحلول؟ أولا، قد يكون من الملائم في هذه المرحلة الصعبة ومع تزايد نمو دخول العمالة السعودية لسوق العمل اتخاذ بعض السياسات والقرارات الصعبة، ولكنها ضرورية: لماذا لا يتم إيقاف الاستقدام، أو تحديد سقف عدد العمالة المستهدف استقدامها كل سنة بوضع نسبة للعمالة الوافدة التي يُسعى لتحقيقها، ويستثنى من ذلك العمالة المنزلية. بالتأكيد سيكون لمثل هذا القرار تبعات قد تكون صعبة في المدى القصير مثل ارتفاع الأسعار وتقلص عدد المنشآت الصغيرة والمتوسطة. ولكن بكل تأكيد سيكون لتلك السياسات نتائج إيجابية على المدى المتوسط والطويل مثل إيجاد فرص تجارية حقيقية لمن يريد أن ينشئ مشروعا تجاريا ويعمل به من خلال نمط المشاريع الصغيرة. ومثل تلك القرارات والسياسات استخدمت في السابق، عندما انخفضت أسعار النفط إلى ما دون العشرة دولارات في بداية الثمانينيات الميلادية، اتخذت الحكومة عددا من السياسات التي تتناسب وتلك المرحلة، مثل تجميد التوظيف وعدم استحداث وظائف جديدة، وغيرها من السياسات. نعم كانت صعبة، ولكن كانت ضرورية للتعامل مع تلك المرحلة.
ثانيا، لعل من المناسب أن يكون هناك توجه يقوم على خلق بيئة مثالية تدعم تأسيس ما يعرف بالشركات المبتدئة Start ups ذات القيمة المضافة للاقتصاد المحلي، التي ترتكز على استخدام العمالة ذات التأهيل العلمي والمهني العالي والحلول التقنية. ويمكن توجيه برامج الإقراض المقدمة من الصناديق المتخصصة، وبرامج الإقراض الأخرى كأداة من ضمن أدوات التحفيز المالي لتشجيعها، والبيئة المناسبة لمثل هذا النوع من المشاريع قد تكون مراكز الأعمال في الجامعات السعودية.
ثالثا، تأسيس حاضنات للشركات المبتدئة في بعض الشركات الكبيرة مثل شركة أرامكو السعودية، وشركات البتروكيماويات، وغيرها من الشركات والمؤسسات المالية. ودعم وتشجيع إنشاء شركات الأسهم الخاصة Private equity، خصوصا صناديق رأس المال الاستثماري Venture Capital.
ختاما، عند التأمل في حجم عدد طالبي العمل المسجلين في برنامج حافز والمتوقع دخولهم سوق العمل في السنوات القليلة المقبلة، ومقارنة ذلك بحجم نمو الوظائف في القطاعين العام والخاص، فإن الصورة ستبدو قاتمة إذا لم يتم تبني حلول جذرية وفعالة وقاسية ترتقي لحجم المشكلة وحساسيتها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي