إصلاح نظام إعادة الشراء «الريبو»

في بعض الأحيان، لا نتعلم فحسب.. بعد اندلاع الأزمة المالية، استنت الولايات المتحدة قانون دود - فرانك لإصلاح النظام المالي الأمريكي، بهدف الحد من مخاطر حدوث انهيار مالي آخر، ولكنها لم تفعل أي شيء لإصلاح نظام إقراض الريبو ''إعادة الشراء'' - والذي يُقال إنه يمثل الحلقة الأضعف في السلسلة المالية. ولقد شهدنا للتو انهيار شركة مالية رئيسة أخرى نتيجة لهذا.
إن الريبو، أو اتفاقيات إعادة الشراء، عبارة عن بيع ورقة مالية (غالبا، سندات خزانة الولايات المتحدة) يَعِد بائعها بشرائها في وقت لاحق - عادة، في اليوم التالي للبيع الأصلي - بسعر أعلى قليلا. وبهذا فإن مشتري الريبو يقرض البائع، حيث يشكل الفارق بين السعر المباشر للالتزام وسعر إعادة الشراء الفائدة على القرض. وتمنح قروض الريبو هذه الشركات - الشركات المالية عادة - القدرة على الوصول إلى مجمعات هائلة من التمويل الرخيص (النابعة غالباً من صناديق سوق المال الأمريكية). وهي سوق يقاس حجمها بتريليونات الدولارات.
وكانت شركة إم إف جلوبال، وهي الشركة المالية العالمية التي طلبت إعلان إفلاسها في تشرين الأول (أكتوبر)، المثال الأحدث الجدير بالذكر للكيفية التي قد يؤدي بها إقراض الريبو إلى المتاعب. فكما كانت حال بير شتيرنز وليمان براذرز قبل إفلاسهما، كانت ''إم إف جلوبال'' تعاني دينا ضخما قصير الأجل نتيجة قروض الريبو. ولقد أفلست بير شتيرنز عام 2008 بعد أن منعتها خسائرها العقارية المتصاعدة من المسارعة إلى ترحيل ديون الريبو المستحقة عليها، والتي كانت تشكل 25 في المائة من ميزانيتها العمومية. ثم بعد عام واحد أفلست ليمان براذرز، بينما كانت ديون الريبو المستحقة عليها تشكل ثلث ميزانيتها العمومية. ويبدو أن ديون الريبو شكلت نصف الميزانية العمومية لشركة إم إف جلوبال.
إن قواعد اللعبة المالية تميز تمويل الريبو على غيره من أشكال التمويل، ولم يفعل قانون دود - فرانك أي شيء لإصلاح هذا العيب. فأولا، لا تنطبق قواعد الإفلاس العادية على ديون الريبو. وثانيا، يتدفق الكثير من تمويل الريبو إلى شركات المخاطرة المالية الضخمة، مثل ''إف إم جلوبال''، وليمان براذرز، وبير شتيرنز، من خلال صناديق أسواق المال، التي يتعين عليها أن تستثمر لآجال قصيرة للغاية، لأن المودعين لديها يريدون سيولة فورية.
في الولايات المتحدة، تسمح قواعد الإفلاس العادية للجهات القائمة على التنظيم والمحاكم بالإمساك بعمليات الشركة المفلسة لمدة كافية لتحديد ما إذا كانت قيمة الشركة بعد موتها أكثر من قيمتها على قيد الحياة. ويمنع القانون الدائنين من الاستيلاء على الأصول بعد إعلان إفلاس الشركة، وهو يسترد العديد من المدفوعات المقدمة إلى الدائنين المفضلين أثناء الأشهر الثلاثة السابقة لإعلان الإفلاس، حتى يسهم جميع الدائنين في تسهيل بقاء الشركة.
وإعفاء دائني الريبو من هذه القواعد يميزهم عن غيرهم من دائني الشركة المفلسة. وكان المبرر الأصلي لهذا هو أن السماح لدائني الريبو باسترداد أموالهم نقداً بسرعة من شأنه أن يحد من هروب الأموال، وانتقال العدوى، وتجميد الائتمان. ولكن يبدو أن العكس هو الصحيح.
والنتيجة هي أن الاقتصاد سيصبح بين عشية وضحاها متخماً بقدر أعظم مما ينبغي من قروض الريبو، ثم يدفع بقيتنا الثمن، لأن محاباة مثل هذه الديون القصيرة الأجل يعني إفلاس المزيد من الشركات المالية مثل: بير شتيرنز، وليمان براذرز، وإم إف جلوبال.
وتتلخص القاعدة الثانية التي تميز قروض الريبو في أن صناديق سوق المال لا بد أن تبقي محافظها الاستثمارية عند مستويات مفرطة من السيولة، لأن عملاء هذه الصناديق يسحبون شيكات على ودائعهم.
لا يمكننا الاستغناء عن قنوات التمويل القصيرة الأجل هذه، ولكن لا ينبغي لها أن تكون كبيرة إلى الدرجة التي هي عليها الآن. فعندما تضرب الصدمات نظاماً مالياً هشا، كما حدث في عام 2007 ثم عام 2008، يصبح لدى الحكومة سبب وجيه لضمان صناديق سوق المال، كما فعلت السلطات الأمريكية. وتجتذب هذه الضمانات الحكومية الضمنية المزيد من الأموال إلى قنوات التمويل هذه من قنوات غير مضمونة، ويتدفق المزيد من ''الأموال الساخنة'' إلى شركات مثل ''إم إف جلوبال''، و''ليمان براذرز''، و''بير شتيرنز'' عن طريق قروض الريبو.
لا توجد وسيلة سهلة للخروج من هذه المعضلة، ولكن يتعين علينا أن نحاول البحث عنها. من بين التحسينات المحتملة أن نصلح قواعد الإفلاس التي تميز قروض الريبو. وهناك تحسين آخر يتمثل في زيادة متطلبات رأس المال المفروضة على المؤسسات المالية.
وهناك حل آخر أيضا: فمن الممكن إرغام مستخدمي قروض الريبو على تحمل ثمن امتيازهم والتكاليف التي يفرضونها على بقية الاقتصاد، ومن الممكن تقاضي بضع نقاط أساسية منهم سنوياً في هيئة رسوم حكومية من أجل التوفيق بين أسعار قروض الريبو الخاصة وبين التكاليف الاجتماعية المترتبة عليها. وبهذا يصبح بوسعنا تحقيق المزيد من انضباط السوق في هذا الجزء من السوق المالية دون الإفراط في فرض القيود التنظيمية.
كان انهيار بير شترينز وليمان براذرز سبباً في تفاقم الركود في الولايات المتحدة والعالم. ويشكل إفلاس ''إم إف جلوبال'' إنذاراً مفاده أن الولايات المتحدة بعد مرور ثلاثة أعوام، وحتى بعد الإصلاحات الكبرى التي فرضها قانون دود - فرانك، لا تزال عاجزة عن إصلاح المشاكل الأساسية التي أسقطت هذه الشركات.

خاص بـ''الاقتصادية''
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2011.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي