قرارات عشوائية
يُقال إن التشخيص نصف العلاج إلا إذا كان صادراً من الرئاسة العامة لرعاية الشباب، فهو يقضي تماماً على ما تبقى من أمل في حياة هذا المريض، فمنذ عام 2002 والرياضة السعودية تمرض بوتيرة متسارعة جداً، ومع ذلك ظلت الرئاسة تتعامل مع هذه الحالة المرضية ببطء، ووفق طريقة البحث عن المبررات، واختلاق الأعذار، وإصدار القرارات العشوائية، ونقل المشكلة من مكان إلى آخر، كما حدث أخيراً بعد خروج المنتخب من كأس العرب، وتتويجه بأسوأ تصنيف دولي في تاريخه، فتارة تتجه أحرف ''التغريدات'' نحو الأندية، ومرة تقفز أصابع الاتهام إلى الإعلام، وتارة أخرى تَتوجه إلى الجماهير التي استمتعت بإجازتها وتركت الأخضر وحيداً في سياحته الداخلية، دون أن تقدم الرئاسة ''روشتة'' منطقية وحلولاً تطبق على أرض الواقع تسهم في التعافي، وتساعد على شفاء الأخضر.
سأركز في حديثي على جزئية مهمة وردت في تغريدات الأمير نواف بن فيصل الرئيس العام لرعاية الشباب، الذي لا يعفي الأندية من تحمُّل مسؤولية خروج الأخضر، بقوله: ''هو منتخبكم ونتاج رياضتنا وأنديتنا...''، وفي سياق آخر: ''والأندية أغلبها على مضض أرسلوا لاعبيها...''، لأؤكد أن قرار المشاركة في هذه البطولة لم يكن موفقاً على الإطلاق، ويشعر بأن الرئاسة ليست على استعداد كامل لركوب موجة عملية التخصيص وتحويل الأندية إلى كيانات تجارية حقيقية، على الرغم من توقيعها عقدين مع شركتين لدراسة عملية تخصيص الأندية الرياضية السعودية.
أما لماذا هي ليست مستعدة فلأنها تناقض نفسها وتوبِّخ عملها، فنتاج الأندية هو بالتأكيد نتاج الرئاسة العامة لرعاية الشباب ''الأم''، فلماذا تركت الأندية وحيدة تواجه مصيرها المحتوم، وتتسوّل مداخيلها المالية، وتستسلم لأمزجة الداعمين وتدخلات أعضاء الشرف، وتُجبر على التركيز على الفريق الأول فقط، دون الالتفات للفئات السنية التي تحتاج إلى مدربين ولاعبين وكشّافين على أعلى مستوى، أو الألعاب الأخرى التي تتطلب بنية تحتية مناسبة ودعماً سخياً لتكون المخرجات بحجم المدخلات في المحافل الدولية والأولمبية؟
وإذا كانت الرئاسة تريد احترافاً منظماً وعملية تخصيص حقيقية لا حبراً على الورق فلماذا تسبح عكس التيار؟ وتطالب الأندية بأن ترسل لاعبيها وبابتسامة عريضة ''لا على مضض'' لبطولة عربية ودية غير معترف بها، وبعد موسم طويل وشاق واستثنائي كالعادة؟
أين الرئاسة من الاستفادة من تجربة الاتحاد الأوروبي الذي قدّم 100 مليون يورو للأندية التي شارك لاعبوها الدوليون في تصفيات البطولة وأدوارها النهائية المقامة في بولندا وأوكرانيا؟ ثم ألا تعلم أيضاً أن الاتحاد الدولي هو الآخر أقر تعويض الأندية التي يتعرض لاعبوها للإصابة خلال أيام ''فيفا'' على أساس راتب اللاعب بحد أقصى 8.75 مليون يورو؟ فلماذا لم تكن مشاركتنا وفق هذا القرار الدولي؟
ألم يخسر النصر سعود حمود برباط صليبي أثناء بطولة خليجية أولمبية؟ وماذا عن الاتحاد الذي افتقد نايف هزازي بإصابة مشابهة خلال مباراة ودية؟
كل هذه التساؤلات أضعها على طاولة الرئاسة العامة لرعاية الشباب، وهي الجهة المعنية والمخول لها بالإجابة، واسمحوا لي أن أقدم الإجابة نيابة عنها كصديق ما دامت تعتبرني شريكاً في الإخفاق، فأقول إن التشخيص نصف العلاج وهو يتمثل في استراتيجية منظمة وقرارات متأنية لا تحل منتخباً لمجرد انتصار في بطولة ودية! ولا تفاوض مدرباً أرجنتينياً وبديله ''هولندي'' رغم الفارق الكبير بين المدرستيْن، ولا تجمِّد رياضة السباحة في مدينة لمجرد أخطاء في مدينة أخرى!