المسيّرات هل هي فقاعة أم أنها مستقبل الحروب؟
الحديث عن سوق مبهمة للمسيّرات يضع شركات تصنيع الأسلحة الناشئة في مواجهة الشركات القائمة
- التركيز على استخدام المسيرات ربما يكون خطأ تكتيكيا لأنه قد يمكن تقويضها إلكترونيا
- الفارق بين تكلفة الضرر الذي تحدثه وتكلفة اقتنائها هو ما يعزز الاعتماد عليها
- حلف شمال الأطلسي يتكبد تكاليف كبيرة نتيجة تصديه للمسيرات باستخدام سلاح نوعي
الخلاصة
رئيس شركة الدفاع الألمانية "راينميتال" يشكك في ضخامة سوق الطائرات المسيّرة رغم نجاحها في أوكرانيا. بينما تستثمر الولايات المتحدة وبريطانيا بكثافة في تطوير مسيّرات رخيصة وقابلة للاستبدال، تواجه الشركات الكبرى منافسة شرسة من الشركات الناشئة. مستقبل المسيّرات واعد لكنه يعتمد على تطوير تقنيات مضادة وبرمجيات ذكية، مع احتمال تضخم الفقاعة السوقية.
حتى مع تسبب المسيّرات بسقوط معظم ضحايا جبهات القتال في أوكرانيا، ومع ولوج المسيّرات الروسية المجال الجوي الأوروبي، يُحذّر رئيس أكبر شركة دفاعية في ألمانيا من أن هذه التقنية الثورية "قد تكون فقاعة كبيرة".
قد يكون الرئيس التنفيذي لشركة "راينميتال" أرمين بابرجر محقاً بشأن الجوانب الاقتصادية المعقدة لبناء مسيرات بتكلفة منخفضة جداً على نطاق واسع، وإمكانية أن تُخفّف تقنيات مكافحة الطائرات المسيرة من تأثيرها. لكن شركات المقاولات العسكرية الرائدة، مثل "راينميتال"، تواجه منافسة شرسة من شركات ناشئة لتحصيل عقود دفاعية مربحة. هناك كثير من الأمور معلقة على ما إذا كانت المسيّرات أساسية في حروب المستقبل، أم أنها مبالغ فيها؟
لقد كانت قدرة أوكرانيا على إنتاج ملايين الطائرات المسيرة بتكلفة زهيدة واستخدامها لتدمير الدبابات الروسية، موقعة خسائر بأضعاف التكاليف، أساسيةً في إبعاد المعتدي عنها. مع ذلك، لقد طورت موسكو قدراتها في مجال المسيرات، ما جعل منظمة حلف شمال الأطلسي تبدو معرضة للخطر.
أمريكا تريد مسيّرات استهلاكية
وصف وزير الدفاع الأميركي بيت هيجسيث المسيّرات بأنها "أكبر ابتكار في ساحة المعركة منذ جيل"، وتعهد في يوليو بتسريع عملية شراء المسيّرات والموافقة على شراء مئات النماذج الأمريكية من قبل الجيش الأمريكي. وقال في مذكرة: "يجب أن تكون رخيصة، وقابلة للاستبدال بسرعة، ومصنفة على أنها مستهلكات".
في الشهر السابق، أعلنت حكومة المملكة المتحدة تمويلا يزيد على 4 مليارات جنيه إسترليني (5.4 مليار دولار) لأنظمة المسيّرات والأنظمة ذاتية التشغيل لتمكين نهج أكثر تركيزاً على المسيّرات في الحروب المستقبلية.
فيما تهيمن شركات الدفاع الكبرى على سوق الطائرات المسيرة الكبيرة، فإن معظمها ليس متأهبا لتصنيع مسيّرات منخفضة السعر، ما يترك باب مكتب المشتريات العسكرية مفتوحا للشركات الناشئة التي تعد بابتكار أسرع بتكلفة منخفضة.
تضاعف تمويل رأس المال الاستثماري أكثر من الضعف مقارنةً بـ2021. تتصدر شركة ”أندوريل إندستريز“ الأمريكية للمسيّرات المُسلّحة، التي شارك في تأسيسها المخترع بالمر لوكي 2017 هذه القائمة بعد أن قُدّرت قيمتها بأكثر من 30 مليار دولار في جولة تمويل خاصة حديثة بقيمة 2.5 مليار دولار -أي ما يعادل مضاعفاً قوياً يبلغ نحو 30 ضعف إيرادات العام الماضي.
رئيس "راينميتال" غير مقتنع
يوجد في أوروبا الآن ما لا يقل عن 3 شركات ناشئة في مجال المسيّرات العسكرية: شركة ”تيكيفير“ البرتغالية، وشركة ”كوانتوم سيستمز“ وشركة ”هيلسينج“ الألمانيتين. تأسست ”هيلسينج“ 2021، وتُقدّر قيمتها بنحو 12 مليار يورو (14.2 مليار دولار).
على الرغم من أنها بدأت كشركة ذكاء اصطناعي ميداني، فإن هيلسينج تحولت إلى بناء مسيرات، وقد ألمح استحواذها على شركة ”جروب إيركرافت“، التي تصنع طائرات خفيفة الوزن، في يونيو، إلى طموحاتها في مجال الأجهزة، التي يُقال أنها تشمل القدرة على توجيه ضربات عميقة. في حين انهارت شراكة ناشئة بين ”هيلسينج“ و“راينميتال“ العام الماضي، تواصل الأخيرة العمل مع "أندوريل".
ملفت إذا كان رئيس راينميتال التنفيذي، وهو أحد أكثر الشخصيات تأثيراً في جهود إعادة التسليح الأوروبية، صرّح لصحيفة ”وول ستريت جورنال“ خلال المعرض الدولي لمعدات الدفاع والأمن في لندن هذا الشهر بأنه "غير مقتنع شخصيا بأن قطاع المسيّرات ضخم كما يعتقده كثيرون".
وقال: إن الحكومات لا تحتاج إلى مئات آلاف المسيرات، وأن أسعارها تنخفض بسرعة، في إشارة إلى المسيّرات قصيرة وطويلة المدى، منخفضة التقنية نسبياً، والمُصنّعة تجارياً، التي تُباع الآن بنحو 1000 و2500 يورو على التوالي، وهو النوع الذي تتفوق أوكرانيا في صنعه. تكلف مسيّرات ”أندوريل“ وهيلسينج المسيرة عالية الجودة أضعاف هذا المبلغ.
هل هي مشكلة عرض أم طلب؟
تحتاج الشركات الناشئة إلى طلبات ضخمة لتوسيع مصانعها، وتحقيق عائد مناسب، وتبرير تقييماتها المرتفعة، في حين تزيد برلين إنفاقها الدفاعي بشدة، إلا أنها لم تشترِ بعدُ كميات كبيرة من الطائرات المسيرة. ورغم قدرتها على تحديث برمجياتها، فإن تكديس الطائرات المسيرة الرخيصة قد يؤدي إلى تقادمها، وهو أمرٌ يُقال أن مسؤولي الدفاع الألماني قلقون منه.
لا تُمثل هذه مشكلة كبيرة لشركة راينميتال، التي زادت قيمتها السوقية نحو 20 ضعفا منذ بداية حرب أوكرانيا لتصل إلى 88 مليار يورو، نظرا لتوقعات بإمكانية استحواذها على نحو ربع الإنفاق الدفاعي للدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) بحلول نهاية العقد.
رغم أنها تُورّد أجزاء هياكل طائرات (إف-35) المقاتلة، وقيل أنها تُنافس على بناء طائرة برلين المسيرة ذات الضربات العميقة، فإن خبرتها تتركز بشكل أساسي في الأنظمة الأرضية مثل: المركبات المدرعة وقذائف المدفعية. قد يُصبح هذا التركيز التقليدي على المنتجات عائقاً في يوم من الأيام إذا بدأ مستثمرو الدفاع في تفضيل مزيد من المبرمجات.
لكن حاليا، تتمتع ”راينميتال“ بمكانة قوية، وتتوقع طلبات بمليارات اليوروهات لنظام متحرك مضاد للطائرات دون طيار يُسمى "سكاي رينجر"، الذي تنفجر ذخيرته في الهواء أمام الهدف. وهو واحد من مجموعة من تقنيات مكافحة الطائرات بدون طيار، بما في ذلك الليزر وأجهزة التشويش الإلكترونية، التي يروج لها المقاولون لحل مشكلة الاضطرار لإسقاط المسيّرات الرخيصة باستخدام أسلحة بعيدة المدى مكلفة تحملها طائرات مقاتلة، كما فعلت بولندا في وقت سابق من هذا الشهر.
ورغم عدم توفر هذه التقنيات بكميات كافية حتى الآن، فإنها قد تكون أقل عرضة للتقادم، وقد أثارت جدلاً حول "نهاية تفوق الطائرات المسيرة" الوشيكة، وهي وجهة نظر يبدو أن ”راينميتال“ تتفق معها. وقد صرّح ممثل عن ”راينميتال“ للمستثمرين في وقت سابق من هذا الشهر بأنه مع وجود نظام دفاع جوي جيد، "لن تُشكّل الطائرات المسيرة تهديداً حقيقياً في ساحة المعركة لأنها تُحلّق بطيئة وعلى ارتفاع منخفض".
مستقبل مهم للمسيّرات
ما أزال أعتقد أن للمركبات الجوية غير المأهولة مستقبلاً مبهراً، إحدى الطرق الواعدة لإحباط غارات الطائرات المسيرة هي استخدام طائرات أسرع، تُعرف باسم الطائرات الاعتراضية، للاصطدام بها أو باستخدام رأس حربي. بالتالي يبدو أن المسيّرات في ساحة المعركة ستجلب مزيدا من المسيّرات لصدّها، ناهيك عن التطبيقات العسكرية الأكثر تطورا مثل: الطائرات المقاتلة غير المأهولة التي تُقدّر بملايين الدولارات.
إن توفير البرمجيات وأنظمة الذكاء الاصطناعي التي تُمكّن ما يُسمى بأسراب المسيّرات والقتال الجوي المستقل يُمثل فرصاً مربحةً محتملةً قد تُعزز التقييمات العالية.
ومع ذلك، تضطر الشركات الناشئة إلى إبراز مهاراتها البرمجية من خلال تصنيع الأجهزة أيضاً، وهو أمرٌ أقل ربحية وأعلى مخاطراً بطبيعته. إن توسيع نطاق التصنيع وإنشاء سلاسل توريد تتخلى عن المكونات الصينية الشائعة أصعب بكثير من إنتاج أسطح لامعة، وبمجرد انتهاء حرب أوكرانيا، يُرجح أن تواجه هذه الشركات منافسة شرسة من المنافسات الأوكرانيات التي صقلت مهاراتها في الحرب.
إن القدرة على اختبار المسيّرات في ساحة المعركة الأوكرانية وحل أي مشكلات تُقدم بعض الضمانات بأن الغرب سيحصل في النهاية على معدات جيدة. ونظراً لتعدد التهديدات الناشئة، والشعور السائد بأن الغرب قد تخلف في مجال المسيّرات، والاتجاه السائد لاستبدال المقاتلين البشر بمعدات غير مأهولة، فقد يكون المستثمرون مُحقين في أن الحكومات لم تبدأ بعد في زيادة الإنفاق.
إذا كانت المسيّرات فقاعة، فما يزال أمامها متسعٌ من الوقت لتتضخم أكثر.
خاص بـ "بلومبرغ"
كاتب عمود في بلومبرغ يغطي الشركات الصناعية. كان يعمل سابقًا في صحيفة فاينانشيال تايمز