الغاز ومعاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية (3 من 3)
من الغريب أن الولايات المتحدة التي تحيا إسرائيل بفضل مساعداتها ومعوناتها العسكرية والاقتصادية الضخمة، عندما تعهدت لإسرائيل في اتفاق موقع بين الطرفين في يوم توقيع معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية بأن تزودها بالنفط إذا أخفقت في شرائه بالطرق المعتادة، اشترطت أن تدفع إسرائيل مقابل النفط الذي تزودها به، أسعارًا متناسبة مع الأسعار الدولية، بينما باع الرئيس الأسبق أنور السادات النفط المصري لإسرائيل بسعر تفضيلي أقل من الأسعار السائدة في الأسواق الدولية، وباع الرئيس السابق حسني مبارك الغاز المصري لإسرائيل بسعر بخس جدًّا، بل أقل من سعر التكلفة، حيث تفيد بعض المصادر أن ثمن البيع كان يراوح بين 70 سنتًا و1.5 دولار لمليون وحدة حرارية، بينما يصل سعر التكلفة 2.65 دولار، في حين كان السعر في الأسواق الدولية يرواح بين ثمانية وتسعة دولارات، والسعر الدولي يراوح حاليًا بين 13 و14 دولارًا للمليون وحدة حرارية.
ومن الإنصاف أن نقول إن الرئيس السادات ربما كان مضطرًّا إلى الموافقة على بيع النفط المصري لإسرائيل حتى لا يعطي إسرائيل أي ذريعة لتعطيل انسحاب قواتها العسكرية ومستوطنيها من سيناء وفقًا للجدول المتفق عليه. لكن الرئيس مبارك لم يكن مضطرًّا إلى إبرام صفقة الغاز التي مع غيرها من التصرفات والمواقف لطخت عهده بالخزي والعار، واتهمته المعارضة بأنه كان يهدف من هذه الصفقة إلى التقرب زلفى من إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة للحصول على تأييدهما لبقائه في السلطة مدى الحياة ثم انتقالها من بعده لابنه جمال. وأيًّا كانت دوافع الرئيسين السابقين في بيع النفط والغاز لإسرائيل فإن النفط والغاز ذهبا إلى الدولة التي اغتصبت فلسطين وما زالت متمسكة بعقيدتها العدوانية تجاه العرب.
ومن المحزن أن إسرائيل التي كان يباع لها النفط والغاز المصري بأبخس الأثمان، رفضت طلب مصر التعويض عن كميات النفط التي استنزفتها من حقول سيناء طوال مدة الاحتلال الإسرائيلي، متذرعة بحجة واهية وهي أن مصر في عهد الرئيس جمال عبد الناصر أممت أملاك الجالية اليهودية دون تعويض، وأن ذلك يعتبر بديلاً عن التعويض الذي تطالب به مصر مقابل استنزاف حقول النفط في سيناء. وهذه الذريعة باطلة طبقًا لمبادئ القانون الدولي؛ لأن يهود مصر كانوا مواطنين مصريين خضعوا كغيرهم من المواطنين لقوانين التأميم، ولم يكونوا مواطنين إسرائيليين، وليس من حق إسرائيل التحدث باسمهم أو تمثيلهم، وأنه إذا كان لهم حق في المطالبة بأي تعويض فإن عليهم اللجوء إلى المحاكم المصرية، فضلاً عن أن الذين أممت أملاكهم من اليهود كانوا أفرادًا معدودين، ولا تساوي قيمة أملاكهم المؤممة قيمة الثروة النفطية التي استنزفتها إسرائيل من حقول سيناء، التي تقدر بمبلغ 65 مليار دولار، ولذلك لا يصح الخلط بين الموضوعين، فسرقة إسرائيل النفط من حقول سيناء تعد قضية دولية لا يجوز ربط تسويتها بمسائل أخرى تخضع لقوانين مصر وتدخل المنازعات بشأنها ضمن ولاية قضائها الوطني.
ورغم أنه قد مضى نحو 33 عامًا على إبرام معاهدة السلام، التي نصت مادتها الثامنة على إنشاء لجنة تعويضات للتسوية المتبادلة للمطالبات كاملة، إلا أنه بسبب تقاعس نظام حسني مبارك لم تحصل مصر من إسرائيل على التعويضات العادلة عن استنزاف ثرواتها النفطية، كما لم تحصل على تعويضات عادلة عن جميع الأضرار والخسائر التي أصابتها من جراء عدوان إسرائيل واحتلالها جزءًا من الأراضي المصرية لنحو 15 عامًا.
نخلص من جميع ما سبق إلى أن مصر لم تكن ملزمة بموجب معاهدة السلام ببيع النفط لإسرائيل، إنما التزمت بموجب ملحق للمعاهدة بأن تسمح لإسرائيل بأن تدخل منافسات شراء البترول المصري الذي لا تحتاج إليه مصر لاستهلاكها المحلي. كما أن هذه المعاهدة لا تلزم مصر ببيع الغاز لإسرائيل. وإزاء هذه الحقيقة فقد تراجعت إسرائيل عن الادعاء بوجود صلة أو رابطة بين تصدير الغاز ومعاهدة السلام وسلمت بوجهة النظرالمصرية بأن إلغاء عقد توريد الغاز هو مجرد أمر تجاري محض وليس سياسيًا. حيث صرح رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بأن قرار وقف تصدير الغاز ليس ناجمًا عن تطورات سياسية، إنما نتيجة نزاع تجاري بين الشركة الإسرائيلية ونظيرتها المصرية. وأضاف أن لإسرائيل مخزونًا هائلاً من الغاز سيمنحها استقلالاً في الطاقة ''ليس عن مصر فحسب إنما عن أي مصدر آخر، بل سيجعل منها واحدة من أهم أكبر مصدري الغاز الطبيعي في العالم. وعليه فنحن في مأمن في هذه المسألة''. وصرح وزير الخارجية الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان بأن صفقة توريد الغاز ليست جزءًا من معاهدة السلام، لكنها صفقة اقتصادية مهمة كانت تعبر عن العلاقات المستقرة بين البلدين. واعتبر الوزير الإسرائيلي إقدام مصر على إلغاء اتفاق توريد الغاز بطريقة أحادية الجانب مؤشرا لا يبشر بالخير. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه سبق للوزير الإسرائيلي المذكور أن حذر مما وصفه بالخطر الاستراتيجي المقبل من مصر بسبب أوضاعها الداخلية المضطربة بعد سقوط نظام حسني مبارك، وأن مصر من وجهة نظره أصبحت أشد خطرًا من إيران، لأن مصر أكبر دولة عربية، لها أطول حدود مع إسرائيل ودعا إلى إعادة تشكيل الفرق العسكرية للجنوب التي كان قد تم حلها بعد معاهدة السلام، وتجهيز رد إسرائيلي لسيناريوهات مستقبلية محتملة. كما دعا وزير الطاقة الإسرائيلي إلى نشر قوات هجومية على الحدود مع مصر، ودعا ممثل التيار الديني المتطرف في الكنيست إلى شن هجوم عسكري بغرض احتلال سيناء والاستيلاء على حقول النفط والغاز فيها، وردًا على هذه التصريحات أعلن المشير محمد حسين طنطاوي، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية، الذي يتولى حاليًا حكم مصر، أن الجيش المصري سيكسر يد ورجل كل من يعتدي على الحدود المصرية. ومن ناحية أخرى أصدر المالكون الأجانب لأسهم شركة غاز شرق المتوسط بيانًا يؤكد أن فسخ العقد لا يرجع لخلافات تجارية، وأن له دوافع أخرى، كما هدد هؤلاء المساهمون بمقاضاة الحكومة المصرية والمطالبة بتعويض يصل إلى ثمانية مليارات دولار عن الخسائر التي يزعمون أنها لحقت بهم. ومهما يكن من أمر فإن وزيرة التعاون الدولي المصرية الدكتورة فايزة أبو النجا صرحت بأن بلادها ليس لديها مانع من تصدير الغاز إلى اسرائيل بموجب عقد جديد يحدد شروطًا وأسعارًا جديدة. وكان هذا التصريح صادمًا للشعب المصري الذي رحب بوقف تصدير الغاز لإسرائيل ويرفض إعادة تصديره إليها. والمأمول أن تكون عملية تصدير الغاز لإسرائيل قد انتهت وإلى غير رجعة.