الموانئ ليست في القائمة!

<a href="mailto:[email protected]">mohbakr@alum.mit.edu</a>

كان على رأس الموضوعات التي ناقشها مجلس الوزراء في جلسة الأسبوع الماضي 25/9/2006 معوقات ترسية وتنفيذ بعض المشاريع التنموية. ومما يُستشف من ثنايا بيان الجلسة أن تلك المعوقات تتوزع على أربعة محاور رئيسة: استقدام العمالة، إجراءات ترسية المشاريع الحكومية، صرف مستحقات المقاولين، وتوافر سلع المواد الإنشائية في الأسواق المحلية بأسعار مناسبة. وإذا أضفنا إلى تلك المحاور بوادر العجز التي بدأت تطل علينا أخيرا في إمدادات المياه والكهرباء, نجد أنفسنا أمام إرهاصات مقلقة لا تختلف كثيراً عن تلك التي أفرزت الاختناقات التي عصفت بالاقتصاد الوطني قبل نحو 30 عاماً في الفترة 1974 ـ 1977 في ظل ظروف مالية مشابهة تميزت بزيادة كبيرة في إيرادات النفط.
وإن كان من اختلاف بين الأمس واليوم، فهو غياب الموانئ البحرية من قائمة معوقات تنفيذ برامج التنمية اليوم، وهي نعمة نحمد الله سبحانه وتعالى عليها، إذ كانت الموانئ بالأمس تتصدر تلك القائمة. ولعل الكثير منا لا يزال يختزن في ذاكرته صوراً لما أفضت إليه أزمة الموانئ الطاحنة آنذاك من شح في السلع بأنواعها وتأخر وصول المعدات والآليات، واضطرار المستوردين إلى استقبال بضائعهم عبر موانئ أخرى في لبنان وتركيا وغيرها ومن ثم نقلها براً إلى المملكة. وكانت تلك الأزمة من أهم الأسباب التي أدت إلى ارتفاع تكلفة المعيشة بكل عناصرها من مأكل ومسكن، كما أدت إلى مغالاة فاحشة في الأسعار التي تقاضتها شركات المقاولات الأجنبية ناهيك عن مطالبات التعويضات التي أشغلت أجهزة الدولة من مالية وقضائية لسنوات طويلة.
كانت السفن في ذروة الأزمة تنتظر أشهراً في كل من الدمام وجدة لحين وصول دورها للتفريغ، ما اضطر الدولة إلى اللجوء إلى وسائل غير تقليدية ومكلفة لمناولة البضائع، وكان من بين تلك الوسائل تفريغ السفن في وسط البحر باستخدام الصنادل، وإنشاء تجهيزات مؤقتة خارج الموانئ. وقد بلغ تفاقم الأزمة درجة أن استخدمت الطائرات العمودية في ميناء جدة الإسلامي لنقل الأسمنت من ظهر السفن الراسية خارج الأرصفة في حوض الميناء إلى الساحات. وقد بلغت تكلفة تلك المناولة في ذلك الوقت 200 ريال للطن، أي عشرة ريالات للكيس الواحد يضاف إليها مبلغ مماثل هو تكلفة شراء الأسمنت ذاته. وبالرغم من تحمل الخزينة العامة تلك التكلفة الباهظة للمناولة، واصلت أسعار الأسمنت صعودها في السوق المحلية إلى مستوى 40 ريالاً للكيس. وقد ضربت سلعة الأسمنت مثلاً لما كانت عليه مشكلة التكدس في الموانئ لأسباب منها، أن الأسمنت كان يمثل 50 في المائة تقريباً من مجموع البضائع الواردة، كما أن بياناته وإحصاءاته موثقة.
في المقابل، وبعد مرور 30 عاماً، تضاعفت حركة البضائع في الموانئ 12 مرة لتلامس في العام الماضي 2005 سقفاً جديداً بلغ نحو 120 مليون طن. ولكم أن تتصوروا مدى الأضرار التي يمكن أن تطال الاقتصاد الوطني اليوم فيما لو اضطربت، لا سمح الله، منظومة العمل في هذا المرفق، إذ أصبح انتظار سفينة واحدة في الميناء لساعات معدودة وليس أشهراً يعد وصمة في جبين إدارة ذلك الميناء وإساءة بالغة لسمعته. هناك مؤشرات أخرى تُقاس بها كفاية العمل في الميناء كمعدل الإنتاجية الذي ارتفع بين خمسة إلى سبعة أضعاف، والدخل من مناولة البضائع. بالأمس "قبل إنشاء المؤسسة العامة للموانئ عام 1976" كانت الدولة تنفق على تشغيل الموانئ نحو مليارين من الريالات سنوياً، بينما تحققت لها في العام الماضي إيرادات صافية تجاوزت 2.3 مليار ريال في ظل تعرفة أجور ثابتة لم تتغير في مجملها طوال العقود الثلاثة الفائتة.
بالطبع هناك عوامل كثيرة أسهمت في جعل الموانئ قادرة على الوفاء بالتزاماتها تجاه الاقتصاد الوطني ومواكبة الطلب المتزايد على خدماتها عاماً بعد عام، من بين تلك العوامل الدعم المالي السخي الذي أنفقته الدولة على بناء وتجهيز الموانئ في مطلع الثمانينيات من القرن الميلادي الماضي. ثم هناك استقلالية الارتباط الإداري للمؤسسة العامة للموانئ ما وفر لها مرونة وسرعة في الحركة ساعدت في تنظيم العمل وفق معايير حديثة فُرضت بحزم وصرامة.
إلا أن النقلة النوعية في الموانئ السعودية يعود الفضل فيها، بعد الله تعالى، إلى قرار خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود بإطلاق أول برنامج للتخصيص في المملكة حين كان ولياً للعهد عندما أصدر أمره الكريم في 6/11/1417هـ بإسناد جميع أعمال تشغيل وصيانة وإدارة الأرصفة البحرية والمعدات إلى القطاع الخاص لإدارتها بأسلوب تجاري، وإعطاء حوافز للمستثمرين لتطوير التجهيزات وفق ضوابط حددها القرار مع استمرار ملكية الدولة للموانئ والمنشآت وبقاء دورها الإشرافي.
إن الموانئ بوابات التجارة والتنمية، وهي من أولى المواقع التي تتفاعل على ساحتها أدوات المنافسة الاقتصادية لأي دولة مع العالم الخارجي، لذا لم يكن اختيارها من قبل خادم الحرمين الشريفين كأول مرفق يتم تخصيصه في المملكة من سبيل الصدفة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي