نظام الجمعيات ومجلس الشورى

<a href="mailto:[email protected]">Hatoon-alfassi@columnist.com</a>

يعمل مجلس الشورى منذ عدة أشهر على مراجعة "لائحة الجمعيات والمؤسسات الخيرية" الصادرة بقرار من مجلس الوزراء رقم 107 وتاريخ 25/6/1410هـ, وفي هذه الأثناء تسربت، لحسن الحظ، مسودة مراجعة النظام ونشرت في جريدة "الجزيرة" بتاريخ 25/3/1427هـ مما سمح للمجتمع الاطلاع على تفاصيله قبل أن يُقر، وأتيحت للكثيرين الفرصة لإبداء الرأي وتفنيد كثير من مواد النظام التي لم تكن تتلاءم مع المرحلة التي تعيشها البلاد ولا تنسجم مع مفهوم التجديد والإصلاح (من بينهم الدكتورة أميرة كشغري، الدكتور صالح الخثلان, والدكتور يوسف مكي). فكان أن استجاب المجلس مشكوراً لكثير من النداءات والمقالات والأفكار التي طرحت وتشكلت لجنة أخرى من داخل المجلس برئاسة الدكتور عبد الرحمن السويلم لإعادة دراسة النظام، وقاموا أثناء ذلك، بمراجعة ما ورد إليهم من اقتراحات وما كتب ونشر في الصحافة. وفي مرحلته ما قبل الأخيرة (سوف يُعرض على مجلس الشورى في شوال 1427هـ) قاموا بدعوة عدد من النساء والرجال في يومين مختلفين الأسبوع الماضي لاستشارتهن واستشارتهم في عدد من النقاط الخلافية. وكان أن كنت إحدى المدعوات للاستشارة مع خمس زميلات أخريات من بينهن الدكتورة حنان الأحمدي الأستاذ المشارك في الإدارة الصحية في معهد الإدارة وعضو مجلس إدارة جمعية الإدارة السعودية، ورئيسات لجمعيات خيرية: الدكتورة. نجلاء فخر الدين رضا رئيسة جمعية أم القرى النسائية في مكة المكرمة ورئيسة جمعية الأطفال المعوقين في مكة المكرمة، فوزية الطاسان رئيسة الجمعية الفيصلية في جدة، الجوهرة الوابلي رئيسة مجلس إدارة جمعية الملك عبد العزيز النسائية الخيرية في القصيم، ورئيسة اللجنة الاجتماعية في الجمعية نفسها السيدة لولوة النغيمشي.
وقد طُلب مني توضيح عدد من اقتراحاتي أو تحفظاتي على بعض البنود بشكل مكتوب حتى يمكن الرجوع إليها أو الاستناد إليها، وهو طلب وجدت أنه ينم عن حرص وحرفية عالية في أداء المهمة الموكلة إلى اللجنة، كما وجدت أن في كتابته على صفحات الجريدة فرصة لإشراك أكبر عدد من الناس في تداول هذه النقاط قبل إقرارها في شوال.
هذا ومازالت اللجنة مختلفة على اسم النظام، فبين نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية أو الخيرية أو الإنسانية أو النفع العام، كنت ممن يفضلن اسم "نظام مؤسسات المجتمع المدني" على الرغم من اعتراض البعض عليه ورؤيتهم له على أن المؤسسات مفهوم أكثر منه اسم لجمعيات معينة. وفي نظري أن اسم "المجتمع المدني" هو ما يعد مفهوماً ويخضع إلى كثير من التعريفات التي تناولت الدراسات الاجتماعية والسياسية، ولا سيما في أوروبا، منذ عصر النهضة وحتى العصر الحديث، تُجمل في أنه "المكون الوسيط ما بين الدولة والفرد ويقوم بدور أساسي في مساندة الدولة لإكمال وظائفها التي يحتاج الفرد إليها أو كشريك للحكومة له دور في تنمية المجتمع". والمجتمع المدني بالدرجة الأولى قيم سلوكية تنطوي على قبول الاختلاف وحق الآخرين في تكوين منظمات أو مؤسسات تحقق مصالحهم المادية والمعنوية وتحميها وتدافع عنها. والالتزام في إدارة الخلاف بالوسائل السلمية المتحضرة. وهذه القيم هي الاحترام والتسامح والتكافل والتنافس الشريف والصراع السلمي, فضلا عن تعلق الأمر بوضع المجتمع المدني أمام الدولة لصياغة مواثيق جديدة تحمي المجتمع من هيمنة الدولة وتتيح للمؤسسات المدنية التي ينشئها الأفراد إمكانية إعادة صياغة المجتمع السياسي، وضمان الحقوق الأساسية للمواطنين، لا سيما المجموعات الصغيرة أو الأقليات، من العدالة والمساواة والحرية والمشاركة في صنع القرار دون الإخلال بدور الدولة الأساسي في التنمية والتخطيط. ومؤسسات المجتمع المدني المشار إليها تتعدد في مكوناتها التي منها: المؤسسات الإنتاجية، الطبقات الاجتماعية، المؤسسات الدينية والتعليمية، الاتحادات المهنية، النقابات العمالية، الروابط والأحزاب السياسية، النوادي الثقافية والاجتماعية، المنظمات الحقوقية وعقائد سياسية مختلفة، ينضم إليها الأفراد طواعية إيماناً منهم بأن هذه المؤسسات قادرة على حماية مصالحهم والتعبير عنها. وتتميز مؤسسات المجتمع المدني بتمتعها باستقلالية نسبية من النواحي المالية والإدارية والتنظيمية عن الدولة، ومن هذا المنطلق فإنها تجسد معنى قدرة أفراد المجتمع على تنظيم نشاطاتهم بعيداً عن تدخل الدولة، وتهدف إلى دعم قيم التطوع والمبادرة والحيوية والتسامح، وقيم التعددية والتعايش.
في وجهة نظري أن هذا نظام في غاية الأهمية لأنه يؤسس لمرحلة قادمة من المشاركة الأهلية المدنية في بناء الدولة الحديثة التي نقبل عليها، وإن كان بحذر. ومن المهم تعديله ليتلاءم ليس مع الحاضر فحسب بل المستقبل الذي لا ندري ماذا يحمل، لكن من الضروري أن يستوعبه النظام عن طريق رفع سقف الأسماء أو سقف مشمولية النظام ليضم كل أشكال الجمعيات دون قصرها أو قفلها والإبقاء على كلمة "وأخرى" للمستقبل الذي قد لا نعرف أشكال مؤسساته بعد.
وكان موضوع جهة الترخيص أو الإشراف على الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني هو الموضوع الأكثر حساسية في مسودة النظام التي تسربت إلى الصحافة، لاسيما أن المسودة كانت قد رأت تشكيل هيئة تدعوها "الهيئة الوطنية للجمعيات والمؤسسات الأهلية" لتكون هيئة حكومية برئاسة ولي العهد ومجلس مكون من عدد من الوزراء، وكرست لها عددا هائلا من الصلاحيات التي في مجموعها تسحب من هذه الجمعيات أي صلاحيات أو صفة من صفات المجتمع المدني المستقل بدوره الفاعل في بناء المجتمع، بل يعود بالنظام إلى الوراء في أشكال كثيرة. وفي التعديل الذي تطرحه لجنة المراجعة قدمت عددا ًمن الخيارات، ما بين جهة ترخيص حكومية أو أهلية أو جهة مشتركة بين الحكومي والأهلي. وفي رأيي أن الخيار الحكومي ينبغي أن يُستبعد بالكامل إن كنا نسعى إلى تكوين جمعيات مستقلة من جانب، ولكي نرفع جزءا من العبء الملقى على الحكومة وأجهزتها من جانب آخر.
مع العلم بأن المجتمعات المتقدمة (الولايات المتحدة على سبيل المثال، مهما اختلفنا وسياستها الخارجية) لا تحتاج جمعياتها إلى أي ترخيص بل إنها تُنشأ بالإخطار وإعلام الجهات الرسمية سواء كانت بلدية أو فيدرالية أو غيرها فحسب، ولا تنتظر منها موافقة، ذلك أن إنشاء الجمعيات هو حق من حقوق المواطنين دون تمييز. ولا تحتاج الجمعية في هذه الحال إلى توضيح لحساباتها إلا عندما ترغب في أن تتحول إلى جمعية خيرية حتى تُستثنى من الضرائب، ففي هذه الحال يصلهم قانوني حسابات من وزارة العدل الأمريكية لمراجعة حساباتهم فقط وإعطائهم هذا الاستثناء بناء على نتيجة مراجعته. أما مراجعة الحسابات بصفة عامة فهي دور الجمعية العمومية التي من حقها الاطلاع على كل أمور الجمعية الداخلية.
من وجهة نظري أنه من المهم أن تكون جهة الترخيص جهة أهلية ولكن مستقلة وليست لها مصالح مع الجمعيات التي تشرف عليها. وقد كانت هذه النقطة محل مراجعة ومناقشة في كيفية عمل أو اختيار هذه الجهة. ووفق ما أرى أنه مناسب أن يتم اختيار جمعية حقوق الإنسان الأهلية، بعد ضمان مزيد من استقلاليتها، كجهة ترخيص وإشراف ومتابعة وتطوير وحماية ومراجعة قانونية ومالية، وهي الأدوار التي ترى لجنة إعداد النظام أنها أدوار جهة الإشراف، على شرط أن يكون هناك وضوح وسرعة في إعطاء التراخيص مع وجود حد زمني لذلك، وفتح مجالات العمل أمام الجمعيات الأهلية باعتبار أن الأصل فيها هو الإباحة، ولا توقف التراخيص إلا بشكل مسبب وتترك إمكانية الاستئناف أو اللجوء إلى القضاء مفتوحة. دون أن يكون لها الحق في الحصول على الملفات الداخلية للجمعية أو حضور جلساتها أو إعطاء أذونات مشاركة في مؤتمرات أو التدخل في قراراتها وما سوى ذلك.
وهذا يدخلنا في الجهة التي تتولى النظر في مخالفات الجمعية أو في حلّها. فكانت وجهة نظري أنه لا ينبغي أن يترك الحق لأي جهة لتحل الجمعية وأن يقتصر الأمر على جمعية حقوق الإنسان وبأمر مسبب من المحكمة. وبالطبع فإن هذا الملجأ النهائي لا ينبغي الوصول إليه إلا بعد أن تتولى الجمعية العمومية رصد ومراجعة المخالفات المذكورة. فمن المفترض أن تشتمل اللائحة الداخلية للجمعيات على دور أساسي وحيوي للجمعيات العمومية وصلاحيات لمتابعة ومساءلة مجلس الإدارة حول نشاطات الجمعية والاطلاع على كشوفها المالية بكل شفافية. بحيث تكون أحد واجبات مجلس الإدارة إطلاع الجمعية العمومية على مجريات الأمور بشكل واضح، وأن تتم دعوتهم في أوقات دورية أو استثنائية واضحة وتصل إلى الجميع وأن تتوافر لهم البيانات كافة قبل وقت كاف لإبداء الرأي وإمكان التقدير ولعب دور المراقب الداخلي على الجمعية وأدائها.
وكان موضوع مصادر التمويل المناسبة للجمعيات موضوعاً ساخناً. لأنه الموضوع الشائك دوماً والهاجس للجمعيات القائمة والمسمار الذي في حاجة إلى المتابعة المستمرة والمعرض للتلاعب ووجهة المساءلة الرئيسي من جانب، ومن جانب آخر فإن توفيره لتسيير أمور الجمعية هو الهاجس كذلك، ما بين ابتكار أساليب جديدة لجمع التبرعات أو لتنمية الموارد وما سوى ذلك. لكن السخونة الإضافية كانت حين تناولت موضوع قبول التبرعات أو الدعم الخارجي وضرورة التمييز ما بين خارجي مشروع وغير مشروع. فمن ناحية تقوم المملكة بدور أساسي في التبرع ودعم الكثير من المنظمات خارج المملكة، في حين أنها لا تسمح لدول أخرى بالقيام بالدور نفسه مع منظماتنا أو جمعياتنا، وفي هذا تناقض غير مقبول من جهة، ومن جهة أخرى يكرس مفهوم الدولة النفطية المانحة فحسب. وهذا يقودنا إلى علاقة المملكة بالأمم المتحدة ومنظماتها. فالمملكة تعد أهم الدول المانحة للعديد من منظمات الأمم المتحدة كالبنك الدولي ومنظمة الصحة العالمية وغيرها، وتحقق من خلال ذلك مكاسب سياسية أرى أنها محدودة، لكنها الأقل استفادة من برامج هذه المنظمات وخدماتها، إن لم تكن في بعض الأحيان معدومة. وإن كان هناك خدمات أو برامج فهي تكون على مستوى الحكومة ووزاراتها ونادراً ما تستفيد منها الجمعيات أو المنظمات الأهلية أو حتى الأفراد، مما يعد هدراً كبيراً للموارد ولعطاءات المملكة ليس له داع. فكانت وجهة نظري أن يفتح باب الاستعانة بالمنح والمساعدات التي تقدمها الكثير من المنظمات في العالم من شرقه إلى غربه على أن توضع شروط معقولة لقبولها مثل أن تُستشار في ذلك سفاراتنا في بلدان هذه المنظمات وتستعلم لنا عنها وعن نشاطاتها وخلفياتها ومصادر تمويلها وغير ذلك. والنقطة الأساسية والمهمة في موضوع التمويل هي ألا يكون هناك تمويل حكومي داخلي أو خارجي يجعل استقلالية قرار الجمعية مهزوزة وخاضعة لهذا التمويل أو المساعدات أو الإعانات. ويُحرص على أن يكون التمويل بالدرجة الأولى ذاتياً من خلال نشاطات الجمعية وتبرعات الهيئات والأفراد والأوقاف وتنمية الموارد.

وكان موضوعا صلاحيات الهيئة أو الجهة الإشرافية وصلاحية الجمعيات الأهلية من أهم الموضوعات التي لم يتسع الوقت للخوض فيهما واللذان أرى أنه من الضروري في شأنهما أن يتسع المدى لاستقلالية قرار وتمويل وتشكيل وعضوية الجمعيات وأن تقتصر صلاحيات الجهة الإشرافية على المساندة والإشراف الفني وتوفير المراقبة القانونية لحسابات الجمعية السنوية وسن القوانين المساعدة على أداء الجمعيات لدورها على أتم وجه تحقق من خلاله تنمية المجتمع وتطوير مشاركته في الشأن العام وفي قدرته الرقابية والمحاسبية التي تحفظ توازن المجتمع وحقوق أفراده.
وفي الختام يمكن وضع ملامح عامة لأساسيات النظام تتلخص في التالي:
1. ضرورة ضمان حرية الجمعيات الأهلية في ممارسة نشاطها دون تدخل من الحكومة أو جهة الإشراف.
2. الابتعاد عن الوصاية من جانب جهة الإشراف وتخليص الجمعيات من منطق الإذن المسبق في عمل أنشطتها، وأن يقتصر دور جهة الإشراف على تنظيم تأسيس الجمعيات وإعداد تشريعاتها والشروط اللازمة لذلك.
3. أن تكون الجمعية العمومية صاحبة السلطة الوحيدة لمساءلة مجلس الإدارة، انتخابه، مراجعة حساباته، ونشاطاته، وحله.
4. إعطاء الجمعيات والأفراد حرية الترشيح لمجالس إدارة الجمعيات والمؤسسات الأهلية دون تدخل من جهة الإشراف أو التدخل في قائمة الأسماء.
5. اختصاص القضاء الإداري دون غيره بجميع المنازعات التي تنشأ عن تطبيق هذا النظام .
6. حظر حل الجمعيات والمؤسسات الأهلية أو إيقاف نشاطها إلا بحكم بات استنفد جميع طرق الطعن عليه.
7. حرية الجمعيات الأهلية في تلقي التمويل اللازم لأنشطتها من مختلف الجهات غير الحكومية مع ضرورة الإعلان عن مصادر هذا التمويل وأوجه إنفاقه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي