الاستثمار الأجنبي المباشر في سوق الأسهم السعودية
تجدد في الآونة الأخيرة الحديث حول السماح للأجانب بالاستثمار المباشر في سوق الأسهم السعودية، ونقلت بعض الصحف المحلية تصريحات لرئيس هيئة السوق المالية الدكتور عبد الرحمن التويجري، أوضح فيها أن فتح سوق الأسهم أمام المستثمرين الأجانب سيكون بشكل مدروس وتدريجي، وبعد التأكد من عدم تأثيره السلبي على التداولات في السوق، ولم يحدد الدكتور التويجري موعداً لفتح السوق أمام الأجانب، كما أنه وصف نسبة المستثمرين الأجانب في سوق الأسهم السعودية بأنها محدودة وأن استثماراتهم تتم في الوقت الحاضر بواسطة صناديق الاستثمار في الأسهم وصناديق المؤشرات واتفاقات المبادلة، مقدراً نسبة الأجانب في السوق حالياً بما يتراوح بين 3 إلى 4 في المائة.
لقد كنت، وما زلت، من المناصرين للرأي المعترض على السماح للأجانب بالاستثمار المباشر في سوق الأسهم السعودية، ولقد أوضحت الأسباب التي دعتني إلى تبني هذا الرأي في مقال منشور في جريدة ''الاقتصادية'' بتاريخ 3/2/1426هـ الموافق 13/3/2005 بعنوان (لا للسماح للأجانب بالمتاجرة في الأسهم السعودية). وقد يكون مفيداً أن أعيد هنا سرد أبرز هذه الأسباب كما يلي:
1- إن سوق الأسهم السعودية ما زالت سوقاً ناشئة وضيقة لقلة عدد الشركات المساهمة السعودية، من ناحية. ولقلة عدد الأسهم المتداولة من ناحية أخرى. والسماح للأجانب بالمتاجرة في الأسهم السعودية سيجعل هذه السوق أكثر ضيقاً أمام المستثمرين السعوديين.لأن المنافسة ستزداد بين المتعاملين في السوق مما قد يؤدي إلى إرباك عمليات السوق، ويصيب السوق بحمى تضخمية شديدة قد تمتد إلى قطاعات اقتصادية أخرى.
2- في الغالب لن يدخل المستثمرون الأجانب سوق الأسهم السعودية بهدف الاستثمار طويل الأجل، أي ليس بهدف شراء الأسهم بغرض الحصول على ما تحققه من عوائد. وإنما من أجل المضاربة بها أي الشراء بهدف إعادة البيع في وقت قصير بقصد تحقيق الربح السريع. وهذا النوع من النشاط التجاري لن يضيف شيئاً نافعاً للاقتصاد الوطني، وبالتالي لن يحقق له فائدة مادية حقيقية بعكس الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مجال إقامة مشاريع إنتاجية كالمشاريع الصناعية والزراعية والتعدينية أو مشاريع خدمية مثل إنشاء وتشغيل الفنادق والمستشفيات والمدارس والمعاهد التعليمية والتي من شأنها الإضافة إلى الأصول الرأسمالية الوطنية وخلق فرص عمل أمام المواطنين.
3- إن الأرباح التي يحققها الأجانب من المتاجرة في الأسهم السعودية والناجمة من الفروق السريعة بين أسعار الشراء وأسعار البيع ستكون في الواقع على حساب أطراف محلية في السوق المالية، وعادة ما تكون هذه الأطراف من صغار المستثمرين الذين لا تتوافر لديهم الدراية والخبرة التي يملكها المضاربون الأجانب المحترفون. فضلاً عن أن مصير هذه الأرباح هو التحويل إلى خارج البلاد وبالتالي لن يستفيد منها الاقتصاد الوطني.
4- إن تجارب بعض الدول لا تدعو إلى الاطمئنان إلى النشاط التجاري الأجنبي في مجال الأسهم والأوراق المالية الأخرى والعملات، حيث كانت نتائج هذه التجارب سلبية بل مؤلمة. ونسوق على ذلك مثالين، الأول المكسيك التي خاضت تجربة فتح سوق الأوراق المالية أمام الاستثمارات الأجنبية فتدفقت عليها الأموال الأجنبية فازدادت لديها السيولة النقدية، ولكن عندما قررت المكسيك تخفيض قيمة عملتها رحلت عنها، وفي وقت قصير جدا مليارات الدولارات مما أدى إلى تدهور قيمة عملتها الوطنية وحدوث نقص حاد في السيولة النقدية أضر بقدرتها على تسديد التزاماتها الخارجية.
والمثال الثاني هو الأزمة التي واجهتها دول جنوب شرق آسيا عام 1997، حيث قام بعض المستثمرين الأجانب وبشكل مفاجئ بسحب أموالهم من الأسواق المالية في هذه الدول بعد أن حققوا أرباحاً طائلة مما أدى إلى إرباك هذه الأسواق وانهيار أسعار العملات المحلية على نحو ضار بالاقتصادات الوطنية لهذه الدول ضررا فادحاً عانت منه فترة غير قصيرة من الزمن. ولذلك يطلق بعض الخبراء على هذا النوع من النشاط التجاري الأجنبي اسم (العصفور الطائر) لأنه ينتقل سريعاً من سوق إلى أخرى بعد أن يكون قد حقق أرباحاً كبيرة من المضاربة في كل سوق.
5- إن سوق الأسهم السعودية ليست في حاجة إلى تنشيط بواسطة الأموال الأجنبية، فالسيولة النقدية المحلية كافية - ولله الحمد - لجعل هذه السوق في حالة نشاط فوار، وأن ما تحتاج إليه هذه السوق هو توسيع قاعدتها ونطاقها وأن من أهم وسائل تحقيق هذا الهدف تشجيع إنشاء الشركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم، وتشجيع تحويل الشركات الكبيرة غير المساهمة إلى شركات مساهمة وتغيير الوضع الحالي للسوق من مجرد سوق أسهم إلى سوق أوراق مالية، وهذا لا يتأتى إلا عن طريق وضع التشريعات المنظمة، لطرح أدوات استثمارية جديدة متنوعة قابلة للتداول مثل السندات والصكوك الإسلامية.
وفي تقديري لم تحدث متغيرات جوهرية في هذا الشأن تدعو إلى تغيير رأيي السابق، بل إن هذا الرأي ازداد تدعيماً بآراء بعض الخبراء الاقتصاديين، التي نقلتها بعض الصحف المحلية في الأيام القليلة الماضية، والتي تحذر من أخطار الأموال الأجنبية (الساخنة) التي تهدف إلى المضاربة وتحقيق الأرباح السريعة ومن ثم الانسحاب المفاجئ ملحقة بسوق الأسهم الأضرار. كما أشار هؤلاء الخبراء إلى أن سوق الأسهم السعودية لم تصل بعد إلى المستوى الذي يمكن السماح فيه لدخول الأجانب غير المقيمين بشكل مباشر بسبب ضعف السوق وضعف مستوى الشفافية فيها، مما سيكون خطراً على المستثمر الفرد وعلى استقرار السوق.