النوع الرابع من الاستعمار!

قديما كان الاستعمار بالسلاح، ثم جاء الاستعمار بالثقافة، ثم الاستعمار الاقتصادي، وأخيرا جاء الاستعمار الطائفي، فالاستعمار هو احتلال أي دولة بالقوة، أو إضعافها بفرض ثقافة المستعمر عليها، أو حصارها اقتصاديا، أو إثارة الفتن الطائفية فيها. وهذا الاستعمار الأخير هو ما تتعرض له منطقتنا العربية الآن، والنموذج الصارخ أمامنا هذه الأيام، هو ما يمر به ''العراق'' الشقيق، ففي دراسة لمركز استطلاع إنجليزي أن عدد القتلى العراقيين ما بين عامي 2003 و2007 وصل إلى أكثر من مليون قتيل منهم 40 في المائة قتلوا برصاص القوات الأمريكية، و60 في المائة قتلوا من خلال الصراعات الطائفية والمعارك الداخلية بين العراقيين أنفسهم، وسقط العراق في هوة الاستعمار الجديد، والواقع العربي معرض لهذه الطائفية التي يمكن أن تأكل الأخضر واليابس، والطائفية ليست معنى بغيضا.. إنها تعني التعدد داخل المجتمع الواحد، والتعدد في ذاته يعطي المجتمع قدرا من الحيوية شرط أن يظل داخل هذا المفهوم، لكن لأن المنطقة العربية تمثل مطمعا لقوى خارجية تريد إضعافها، ومنع تقدمها ووقف خططها التنموية، فهي تعي مفهوم خروج القلة على الكثرة وللتكامن بينهما.
والاستعمار الجديد المتمثل في القوى الخارجية، يبحث عن ضعاف النفوس من هذه القلة ـــ الطائفة ـــ ممن يبحث عن شهرة، أو يبحث عن مكاسب شخصية فيدفعه ليثير نعرة الطائفية، فينشغل المجتمع عن توجهه للمستقبل، ويتفرغ للتصدي لهذا الخروج على المفهوم الصحيح، وتتوقف الحياة ويموج المجتمع بصراعات هو في غنى عنها، وإذا كان العراق يمثل نموذجا لافتا للنظر في صراع المذاهب الدينية داخله، فقد مرت مصر العزيزة بفتنة طائفية كادت تودي بالجميع، وتتحول إلى حرب أهلية، كما حدث في العراق، لكن الله سلم، وعرف الحكماء والعقلاء كيف يئدون الفتنة في مهدها.. إننا أمام استعمار جديد يحاول أن يهدم المنطقة وحتى نكون على وعي بما يحاك حولنا، يجب أن نحرص على تعزيز الانتماء الوطني بمفهوم أن الجميع شركاء في الوطن. وذلك يتحقق من خلال التعليم والدعاة في المساجد ووسائل الإعلام، وأن نعلي من قيمة الحوار، وأن تكون هناك عقوبات رادعة لمثيري التمييز العنصري الطائفي.
وأن يكون هناك تكافؤ في فرص العمل والخدمات للجميع. فذلك كله كفيل بالقضاء على الفتن الطائفية التي تشعل النار في المجتمع، ولقد استرجعت حديثا شريفا للرسول - عليه الصلاة والسلام - يقول فيه: ''ألا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض'' صدق رسول الله، وكفانا الله شر الطائفية البغيضة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي