تقرير (يوروب 2020) يحذر من انهيار الدولار في 2006
<a href="mailto:[email protected]">abdullahbinmahfouz@gmail.com</a>
الخبر الذي نشر في جريدة "الاقتصادية" قبل يومين في صفحتها الأولى بتراجع الثقة في الاقتصاد الأمريكي، يؤكده تقرير خطير لمركز الأبحاث الأوروبي (يوروب 2020)، والذي يتوقع أزمة عالمية في الأسبوع المقبل من آب (أغسطس) 2006 وسيشهد العالم أزمة سياسية واقتصادية، تكون مشابهة للأزمة الاقتصادية التي حدثت عام 1929. والتقرير عمل بناء على قرار أمريكي صدر، وقرار إيراني متوقع، وسوف يشكلان منعطفاً خطيرا، ويخلقان أزمات عالمية.
القرار الأول: اتخذ مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي قرارا بالتوقف عن نشر أرقام الكتلة النقدية M3 التي تعتبر أكثر المؤشرات اعتماداً لكمية الدولار التي تدور في العالم. وذلك ابتداءً من 23/3/2006 وصاعداً.
القرار الثاني: افتتاح أول بورصة للنفط باليورو نهاية آب (أغسطس) 2006 في طهران، وهو يشمل جميع منتجات النفط في المنطقة.
هذان القراران وتزامنهما في عام 2006 سوف يؤججان جميع التوترات السياسية، ويسهمان في عدم التوازن الاقتصادي العالمي، وقد حدد التقرير في مركز الأبحاث الأوروبي سبعة أزمات متقاربة بعدها، وسوف تؤثر في جميع الجوانب السياسية، الاقتصادية، إضافة إلى الجانب العسكري أيضاً وهي:
1- أزمة ضعف الثقة بالدولار.
2- أزمة التوازن المالي في الولايات المتحدة.
3- أزمة النفط.
4- أزمة القيادة الأمريكية.
5- أزمة العالم العربي الإسلامي.
6- أزمة السيطرة على العالم.
7- أزمة السيطرة في أوروبا.
ويتوقع الباحثون بعد صدور ترخيص إيراني بافتتاح بورصة للنفط باليورو في طهران نهاية آب (أغسطس) 2006، وهذا القرار سوف يشكل حتميا نهاية لاحتكار الدولار في أسواق النفط في العالم، وسوف تحدث على أثرها بلبلة في سوق النقد الدولي، حيث ستكون الدول المنتجة قادرة على طرح منتجاتها باليورو. وستكون الدول الأوروبية على وجه الخصوص قادرة على شراء النفط مباشرة بعملتها الخاصة دون خوض مرحلة الدولار.
والمشكلة الاقتصادية المقبلة تعني أن هناك تناقصا في عدد الدول والمستثمرين الدوليين الذين يحتاجون للدولار الأمريكي. وبالتالي سيعني بالضرورة ضعفاً ملحوظاً ومستمراً للعملة الأمريكية في الفترة المقبلة، مقارنة باليورو تحديداً. حيث أكثر التقييمات ثباتاً تقول إن كل يورو يعادل 1.28 دولار أمريكي. ولكن في حال بلغت الأزمة ذروتها فإن التوقعات التي تقول إن كل يورو سيعادل 1.70 دولار أمريكي في عام 2007.
إن توقف مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي عن نشر أرقام الكتلة النقدية M3 للدولار. جابه انتقاداً حاداً من قبل الاقتصاديين العالميين ومن قبل المحللين الماليين الأمريكيين، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الهبوط القوي للدولار سيؤدي إلى بيع أعداد كبيرة من سندات الخزانة الأمريكية في آسيا وأوروبا، وفي الدول المنتجة للنفط، لذلك فإن توقعات المحللين تشير إلى أن القرار الأمريكي في التوقف عن نشر أرقام الكتلة النقدية M3 يهدف إلى إخفاء قدر المستطاع اثنين من القرارات الأمريكية التي فرضت بشكل جزئي من قبل الحكومة الأمريكية خلال السنوات الأخيرة. وأصبح التخوف العالمي من أن هناك مشروعا داخليا (لتنقيد الديون الداخلية) إلى نقد، وذلك لدعم نشاط الاقتصاد الأمريكي المتدهور.
عوامل تسرع بالأزمة المقبلة
(أولا) المغامرة بمحاولة الاعتداء العسكري ضد إيران، خاصة أن إيران ليست دولة ضعيفة أو صغيرة، وتملك بعضاً من الأصول الجيواستراتيجية المهمة في الأزمة الراهنة، مثل قدرتها على التدخل بقوة وسهولة وفرض تأثير كبير على احتياطيات النفط الآسيوية والأوروبية وذلك من خلال (إغلاق مضيق هرمز)، وكذلك بقدرتها على تصعيد الإضرابات والعمليات العسكرية في العراق وأفغانستان. لذلك فإن أي الاعتداء عسكري ضد إيران سيؤدي إلى تشتت شبه فوري في الرأي العام الأوروبي، ولن تستطيع الحكومات الأوروبية الوقوف مع أمريكا بأي شيء سوى الاستجابة للرأي العام الداخلي، خاصة بعد أن فقدت أمريكا مصداقيتها في معالجة هذا النمط من القضايا بشكل صحيح بعد غزوها لأفغانستان والعراق، كذلك فإن ارتفاع أسعار النفط سوف يدفع الدول الآسيوية بقوة وعلى رأسها الصين لمعارضة هذا الخيار العسكري، وهذا الأمر يجعل الولايات المتحدة وحيدة تقريبا في عدوانها، وإقدامها على الخيار العسكري دون ضمانات من الأمم المتحدة أو مجلس الأمن، من شأنه أن يضيف المزيد من الأزمات العسكرية والدبلوماسية على الأزمات الاقتصادية والمالية.
(ثانيا) إذا صدر القرار الإيراني المرتقب واستمر العمل بالقرار الأمريكي سوف تتورط الأمم المتحدة والعالم بأكمله في أزمات سياسية واقتصادية خطيرة. حيث يعتبر مصطلح (تنقيد) الديون الأمريكية مصطلحاً تقنياً يصف حقيقة كارثية وهي: أن الولايات المتحدة تسعى إلى تحويل ديونها الداخلية إلى خارجية عن طريق طباعة المزيد من الدولارات دون تغطية، ومن هذا المنظور، من المفيد أن نمعن النظر في المعلومات التالية هبطت حصة ديون الحكومة الأمريكية التي بحوزة البنوك الأمريكية إلى 1.7 في المائة عام 2004، مقابل 18 في المائة عام 1982. وعلى نحو مواز ارتفعت حصة هذه الديون نفسها لدى الدائنين الخارجيين من 17 في المائة عام 1982 إلى 49 في المائة عام 2004 مما أدهش المحللين الماليين : كيف تخلصت البنوك الأمريكية من كامل حصتها تقريباً من الدين الأمريكي الوطني في العام الماضي؟ وهو يوضح حقيقة قرار الإيقاف للحكومة الأمريكية عن نشر أرقام الكتلة النقدية M3، ويبين سعي الحكومة الأمريكية بتحمل الدائنين الخارجيين ديونها الداخلية.
إن المركز الأوروبي للدراسات يحذر من أن هذا الاقتران غير المقصود بين القرارين الأمريكي والإيراني، سوف يشكل مرحلة حاسمة لبداية النهاية للنظام العالمي الذي تم تأسيسه بعد الحرب العالمية الثانية، وستتضح معالمها في بروز طلب تصاعدي هائل على اليورو، وارتفاع ملحوظ ومهم على سعر النفط (الذي قد يصل إلى أكثر من 100 دولار للبرميل الواحد)، كذلك تفاقم الأوضاع العسكرية الأمريكية والبريطانية في العراق، وحدوث أزمات في الميزانية الأمريكية، وعواقب اقتصادية ومالية في آسيا، خاصة في الصين بالتحديد.
هل نتوقع حدوث ذلك؟
لقد قام المركز الأوروبي (يوروب 2020) بتحذير سريع في أيار (مايو) 2006 للشركات والحكومات الأوروبية على وجه الخصوص وذلك بتضمين رسالة سرية، وتقديم سلسلة من التوصيات الاستراتيجية، تسعى إلى تخفيف الضرر على أوروبا بشكل ملحوظ من وطأة (التسونامي النقدي). وخاتمة التقرير (يوروب2020) يؤكد أن جميع السيناريوهات المحتملة لعام 2006 ستؤدي إلى نتيجة واحدة وهي: أننا جميعاً نقترب من (نهاية تاريخية للدولار)، والتي ستصبح من الآن فصاعداً نهاية حتمية مهما حاولت السياسة الدولية تصحيح الأوضاع.
ومن الواضح أن الحكومة الأمريكية لن تتوقف عن حماية الدولار فحسب بل إنهم اختاروا مسبقاً "فرض الأمر الواقع للعمل العسكري" وذلك للتهرب من مشاكلهم الاقتصادية على حساب بقية دول العالم. إن توقع حدوث الأزمات بهذا الشكل المخيف هو عملية معقدة ويعتمد في الأساس على قرار سياسي يتبعه عمل عسكري وهذا ما جعل مجموعة كبيرة من السياسيين والقادة العسكريين السابقين بتوجيه خطاب للرئيس بوش الابن قبل أسبوعين بعدم التسرع بعمل عسكري وفتح مجال للمحادثات المباشرة مع إيران لحل المشكلة. ولكن الأحداث في الشرق الأوسط تزداد سوءا وتدفع الحكومة الإيرانية إلى اتخاذ قرار بإنشاء البورصة لحمايتها من تأثير العزلة الدولية المرتقب ومن انخفاض الدولار على اقتصادها الداخلي. ومهما تتجه الإحداث في المنطقة بعد اليوم تصبح الحقيقة الاقتصادية المقبلة،أن الدولار لم يعد (الاحتياطي المناسب) لدول العالم وأن اليورو أصبح منافسا قويا تسعى إليها الدول المضطهدة من السياسة الأمريكية، لذلك فإن الارتفاع الكبير هذا العام لأسعار الذهب والفضة يوضح توجه دول العالم لهما لحين ظهور عملة قوية موازية للدولار.
ختاما سوف يجد المتابع للمنهجية البحثية (ليوروب 2020) في الدراسات السياسيـة والاقتصادية، ومدى دقة ونجاح توقعاتهم، خاصة تقاريرهم التي توقعت قبل حدوثها مثل تقرير النهاية القريبة للستار الحديد عام 1988، وكذلك تقرير عن الانهيارات المستمرة للنظام المؤسساتي الأوروبي في الشرعية الديمقراطية وطاقة العمل في عام 1997، وتوقعهم بغرق الولايات المتحدة في المستنقع العراقي والانهيار المستمر للمصداقية الأمريكية على الساحة الدولية عام 2002، وتوقعهم فشل الاستفتاء على الدستور الأوروبي عام 2003، وبناء على ما سبق ذكره فإن انتظار النتائج ليس قرارا صائبا في ظل هذه المعطيات.