.. واتفق الطرفان
حمل الجزء الأول من هذه المقالة عنوان «مصارحة علنية» ونشرت في «الاقتصادية» الأحد الماضي، واليوم نستكمل الموضوع.
إن التقديرات الأولية وبكمية هذا الإنتاج الحالي تشير إلى أن سعر النفط التوازني (أي موازنة المصروفات والإيرادات السنوية) وصل إلى نحو 84 دولارا أمريكيا للبرميل، ودعنا لا ننسى أن هذا السعر كان في الماضي القريب لا يتعدى 48 دولارا، حيث إن مستوى البطالة في ارتفاع وما لهذا الشيء من تأثيرات سلبية في الأمن الاجتماعي والاقتصادي في المملكة
اتفقنا على ما يلي:
1: البدء فورا بتوظيف لا يقل عن 100 ألف سعودي من مختلف التخصصات والمستويات التعليمية والتدريبية في القطاع الخاص، أضف إلى ذلك 100 ألف سعودي أخرى بعد ستة أشهر من الآن.
2 : البدء فورا بتطبيق مبدأ الجزاء والعقاب في الخدمة المدنية وإعادة النظر كليا في نظام الخدمة المدنية الذي يعتقد الكثير في القطاعين أنه من أكبر العوائق لكفاءة الأداء في القطاع العام. ونظرا لأن القطاع العام المؤثر الأكبر في الاقتصاد السعودي (حصته لا تقل عن 70 في المائة من مجموع الدخل الوطني)، فالتخلص من عوائقه سيحرك المياه الراكدة فورا ويؤدي إلى الإسراع في عجلة التنمية.
3: ليس من الحكمة الاقتصادية أن تستثمر المملكة فقط في النشاطات الاقتصادية التي لها ميزه نسبية فيها. الميزة النسبية في كثير من الحالات تخلق من خلال توظيف عوامل إنتاج جيدة تستطيع إنتاج بضائع وخدمات قادرة على المنافسة في السوق، ولهذا اتفق الطرفان على المشاركة في إنشاء قطاعات ونشاطات جديدة في التكنولوجيا والزراعة المحمية والصناعات بجميع أنواعها والخدمات المالية والسياحة والتعدين والطيران المدني. وجعل المملكة مركزا صحيا وتعليميا يضاهي مثيلاته في العالم في جميع التخصصات (مرفق البرنامج التفصيلي).
ومن شروط هذا الاتفاق بين القطاعين العام والخاص أنه لا يستثمر في أي مشروع إلا بعد التأكد من جدواه الاقتصادية إيمانا بأن المملكة ليست في حاجة إلى مشاريع من أجل ما يسمى بالمباهاة (البرستيج فقط)، ويجب أن تدار هذه المشاريع بطريقة تجارية، ولهذا فحين يقرر الاستثمار في مشروع ما يخير كل منهما الآخر إن كان له رغبة في الاستثمار فإن اعتذر يقوم الآخر بتنفيذ المشروع ويمتلكه بالكامل إلى حين. ومن شروط هذه الشراكة أن أي مشروع مشترك ظن بعد أن يبرهن على ربحيته، يجب أن يطرح ما لا يقل عن 50 في المائة من رأسماله للاكتتاب العام. حتى تعم فائدة هذه الاستثمارات أكبر قدر من أفراد المجتمع وتقود إلى مستوى أعلى من الدخل وأعدل من ناحية توزيع الثروة.
وما إن شرع القاضي (رئيس الجلسة) بمباركة هذا الاتفاق والأمر بتنفيذه لفت نظره ممثل القطاع العام بالقول إن القطاع الخاص لم يتعاون بجدية حين اقترح عليه البدء بسن ضرائب على دخل الأفراد من أجل إيجاد مصدر دخل آخر لخزانة الدولة، وكذلك تعويد الفرد على المشاركة في تحمل بعض أعباء التنمية وهو ما يحدث في جميع أنحاء العالم تقريبا.
وكان الاقتراح يقضي بأن كل سعودي يبلغ دخله السنوي 100 ألف ريال وأكثر يجب أن يدفع ضريبة ثابتة في السنة بمقدار 10 في المائة. ومن يبرهن أنه يدفع الزكاة الشرعية يعفى من ذلك.
حاول القاضي إقناع ممثل القطاع الخاص بفكرة الضريبة، لكنه فشل لأن القطاع الخاص ساق الكثير من الحجج التي لم تقنع القاضي ولا ممثل القطاع العام مثل أنه يدفع رسوما كثيرة زيادة على ما يدعي دفعه زكاة في كل عام، فما كان من القاضي بحكمته المعروفة إلا أن ترك الأمر معلقا إلى حين تغير الظروف والأفكار والتي يتمنى ويشاركه في ذلك ممثل القطاع العام بألا تطول.
ما ذكر أعلاه بعض الأمثلة عن البيئة التي تتفاعل فيها العوامل الاقتصادية والإدارية خاصة في المملكة. وهي أمثلة مؤلمة وعوائق مكلفة على طريق التنمية، ومع احترامنا لرأي كل من القطاعين العام والخاص واتهام أحدهما الآخر بالتقصير، فإن التقصير حاصل من كلا الطرفين، وليس بمقدورنا ولا هي رغبتنا تنمية البلاد مع وجود هذا التقصير خاصة انعدام أو شبه انعدام كفاءة الأداء.
إن المملكة لقادرة على النمو في القطاعات غير البترولية القائمة والتي باستطاعتنا إنشاؤها لتوظيف أبناء هذا الوطن. إن توافر النيات الخيرة في هذا العهد الزاهر والتي ترجمت إلى الأفعال وليس الأقوال فقط، وهي امتداد لعادات قيادة كريمة هدفها خدمة الشعب في معيشته وصون كرامته، هذه النيات يجب أن تستغل استغلالا كثيرا وبأسرع ما يكون لتوظيف الأموال المتكدسة في خزائن الدولة من أجل دفع عجلة التنمية تنوعا وسرعة.
إذ لا خير في جمع المال إن لم يؤد إلى رفاهية الفرد والمجتمع، وطبعا لا رفاهية ولا أمان مع بطالة تزداد سنة بعد أخرى.
إذن على الدولة (القطاع العام) قدر المستطاع تنويع النشاطات التي يستثمر بها ويركز بالذات على الاستثمار في الصناعة والزراعة والخدمات وغيرها بالمشاركة مع القطاع الخاص لتنويع قاعدة الاقتصاد السعودي بالسرعة القصوى لتخفيف الاعتماد على قطاع النفط.