هل لمساكننا أن تكون معالِجة؟

مع شدة البرد لك أن تزور أقسام الإسعاف للأطفال في المستشفيات لتدرك حجم الخلل الذي تعيشه مساكننا، وأن من يسكن تلك المنازل يتأثر بما أصاب المسكن من خلل فيمرض، وفي كل عام تتم توسعة أماكن الإسعاف للأطفال والكبار لما يعانون من أمراض كان سببها الرئيس هو ذلك الخلل الموجود في المساكن، وإننا بدل أن نصرف دواء للأجساد، كان يجب علينا أن نتعرف على السبب لمعالجته، بدل أن نعالج المرضى ونصرف أدوية لهم. وقد شخصت في المقال السابق ذلك الخلل.
إن من المفترض أن يكون المسكن خاليا من أي خلل، لا بل لا بد أن يصبح مركز علاج ومكانا يريح الأجسام المتعبة من عناء الأعمال وصخب الحياة، وأن الأدوية التي نأخذها من الأطباء هي لمعالجة البيئة الداخلية للجسم فقط. دون أن نعالج الأسباب التي أدت إلى ذلك المرض.
ولعلي أستعرض مع القارئ الكريم بعضا من المعالجات التي يمكن لها أن تصب في أن تصبح مساكننا راحة وسكنا ومن ذلك:
- حماية القدم وأن ندرك أن الحماية لهذه الأقدام هي وقاية من أمراض كثيرة تصيب الأبدان، وأن ما يصيب الجسم من اختلال ويعرضه لمشكلات هو تنقله في فراغات المسكن مع اختلاف درجات حرارتها، ولذا لا بد من أن تكون أرضيات المسكن تتناسب وحرارة جسم الإنسان، والمعالجات الهندسية لهذه الحماية كثيرة ومتنوعة، فالفرش والأرضيات الخشبية وحتى وضع بعض المعالجات تحت الأرض هي من الحلول لتصبح درجة حرارة الأرض مناسبة للمشي عليها وإن كانت الأقدام حافية، وأهم تلك الفراغات هي فراغ غرفة النوم ودورات المياه.
- حماية البدن فبدلا من شراء (البطانيات) كل عام كان المفترض شراء عازل جيد لمحيط المنزل من حوائط وأسقف وبعوازل تستطيع أن تكون بديلا لهذه البطانيات، مع أنه لا بد من تدفئة المسكن بطرق مختلفة، وأن تكون البيئة الداخلية للمسكن بكاملها مناسبة ودرجة حرارتها ما بين 27 إلى 22 درجة، التي تجعل التنقل داخل فراغاته ممتعا ودون الحاجة إلى مزيد من الألبسة أو الأغطية.
- الحماية من برد الشتاء ومن حر الصيف، فالمسكن هو وقاية للجسم من هذا وذاك وإن طردهما من المسكن وعزله يحتاج إلى طاقة دائمة، وأن الحلول التي تعمل الآن في معظمها قاصرة ولا تفي بالمطلوب، ولذا نشاهد أن بعض البيوت أشبه ما تكون بثلاجات مواد غذائية كبيرة وأن لا فرق بين المحيط الداخلي للمسكن والخارج هذا في الشتاء، وهي في الصيف أشبه بمن يجلس عند فران ويتصبب العرق منه في كل حين، وإن عكس ذلك يحتاج إلى طاقة فإما أن تستهلك من البترول ومشتقاته وإما من حلول إبداعية جديدة لا بد للمهندسين أن يبتكروها، وأن تساعد الجهات المسؤولة عن الطاقة في دعم تلك الإبداعات.
- الاعتناء بالمداخل والمخارج، فكما أن الجسم في أغلب الأحيان يصاب من الفم أو الأنف أو الأذن، فالمسكن أيضا يصاب من الباب أو الشباك، ولذلك لا بد من وضع حلول هندسية مناسبة وأن تكون محكمة الإغلاق في الصيف والشتاء.
إن المساكن التي نعيش في داخلها أكثر من ثلث أعمارنا، لا بد أن تكون كأجمل معطف يلتحف وأرقّ ريش ينام عليه جسد، وأن تكون تلك المساكن مصدر علاج وأنس وراحة للبدن.
ولذا فالمطلوب من وزارة الإسكان وغيرها أن تكون المساكن التي تبنى اليوم معالجة، وأن تريح المواطن من هم سنين بحثا عنه وراحة تامة له لا أن تكون مجلسا وصالة طعام ومطبخا وحماما... إلخ
إنها منظومة متكاملة وحل شامل للطاقة والبيئة من الداخل والخارج، ولتصبح مساكننا خضراء ذكية وتستلهم التاريخ والجغرافيا لبناء عمارة محلية مستدامة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي