التغطية الفضائية للحرب بين العرب والغرب

<a href="mailto:[email protected]">Hatoon-alfassi@columnist.com</a>

قارب الأسبوع الرابع على نهايته وليس هناك حتى بارقة سراب أن وقفاً لإطلاق النار سوف يُفرض على العدو الصهيوني حتى يوقف حزب الله بدوره صواريخه التي يرد بها على الاعتداءات على لبنان التي تعدت كل مستويات الإنسانية إلى حالة من الانتقام والهياج وفقدان السيطرة على الذات بعد أن صمدت المقاومة الإسلامية أمام جحافلهم أربعة أسابيع دون أن تظهر بادرة تشير إلى أن مخزون حزب الله من الصواريخ قد نقص أو أن منصاته قد تضررت من القصف أو من الاجتياح. وإن كان ضحايا هذا الصمود الحربي ومن يدفع ثمنه ليسوا كبارهم بل صغارهم وأطفالهم ممن حمدوا الله أن نقلهم إلى جنة خلد بعيداً عن عالم تحكمه الهمجية وغطرسة غرور القوة في عصر مواثيق حقوق الإنسان والديمقراطية، عالم تحكمه قوى متعطشة للدماء ولا يكفيها ما قد أهرق عبر 60 عاماً على كل جبهاتها من دماء طاهرة بريئة بل تسأل "هل من مزيد؟"، وأصبح الديدن مجزرة بمعدل واحدة يومياً، لا ينجو منها إنسان ولا حيوان ولا شجر. في الواقع نحن لا نسمع عن الحيوانات أو الشجر كثيراً في هذه الحرب وهو أمر مستغرب له، وإن كنا نرى في فلسطين كيف يجتث الغزاة أشجار الزيتون من الأراضي التي يعتدون عليها.
لن أتحدث اليوم عن رأيي في حزب الله أو في السياسة العربية غير المشرفة أو في أمور أخرى ظهرت في هذه الأزمة، ولا في العنجهية الإسرائيلية والأسلحة الأمريكية، أو في مقاطعة بضائعهم أو المطالبة باستخدام أسلحة نحن نائمون عليها. سوف أترك كل هذه المواضيع الشائكة التي لن تفلت من مقص الرقيب شئت أم أبيت. وإنما سوف أتحدث عن الصورة الإعلامية التي تصلنا كمشاهدين مدمنين على التنقل من قناة إلى أخرى جرياً وراء الخبر الذي يعوض عجزنا عن أن نكون إلى جانب أخواتنا وإخواننا اللبنانيين بأجسادنا لنصلهم بروحنا ودعائنا.

الصورة الإعلامية لتغطية الحرب بين قنواتنا العربية والقنوات الأجنبية كانت مثار دهشة وإعجاب. وأنا أتحدث هنا عن القنوات الرئيسة التي تبث أخباراً كـ "العربية"، "الجزيرة"، "الإخبارية"، القنوات اللبنانية وعلى رأسها "المنار"، "المستقبل"، LBC، والتلفزيون الجديد New TV، ومن جانب القنوات الأجنبية أعني بها: CNN, MSCNBC, SKY, BBCW. وهكذا تصاب المشاهدة أو المشاهد بالدوار حالما تقلب من قناة إلى أخرى وحتى تمضي عليها جميعاً.
لقد كان الانطباع الرئيس للمتابعة في بداية الحرب أن هناك تهاوناً وتحيزاً في سرد الأحداث في القنوات الأجنبية ولا سيما الـ "سي إن إن"، بحيث كان التركيز يسلط على الإسرائيليين "المساكين" القابعين في الملاجئ حتى أصابهم الملل، وعلى القتيل الوحيد الذي فقدته أمتهم جراء عشرات الصواريخ التي يطلقها حزب الله، ثم يختمون بأن ناتج الغارات الإسرائيلية على الجانب اللبناني أكبر، ويصمتون. على الرغم من أنه كان في ذلك اليوم وحده 70 قتيلاً. لحسن الحظ أن هذا النمط من التغطية توقف بعد أن لم يعد هناك مجال لتجاهل الموقف على الأرض وقد امتلأت لبنان بمراسلي هذه القنوات الأمريكية الأهلية ممن عرفوا بموضوعيتهم وقدرتهم العالية على وصف الحدث وتحليله وقت الضرورة. ونرى أن كل القنوات الأربع حرصت على أن تقدم تغطية تتنافس في قوتها وتركيزها على مدار الساعة مع محاولة أن تكون موضوعية قدر الإمكان.

أما القنوات العربية فقد كانت قوية في وصفها للحدث من اليوم الأول وقامت بعض القنوات بإرسال بعض كبار مذيعيها للعمل من الميدان وإن كان غالبية المراسلين من لبنان نفسها ومن المراسلين المحليين. وقامت حركة منافسة كبيرة بين القنوات الإخبارية الرئيسة, ولا سيما "الجزيرة" و"العربية", ويبدو أن "الإخبارية" خرجت من هذه المنافسة لأسباب غير معروفة ربما أنها فنياً لم تتمكن من الوصول إلى هذه الحرفية. فتركت الساحة للقناتين السابقتين اللتين قدمتا سوياً للمشاهد العربي مع القنوات اللبنانية صورة متكاملة إلى حد كبير، وتنوعت برامجها ما بين الميداني والتحليلي والحواري ..إلخ. ولكن لا بد أن تكون هناك ملاحظات تبرر كتابة مقالي هذا.
من الملاحظات الرئيسة على هذه القنوات في الأسبوعين الأولين أنها كانت تعمل وتشرح وتصف أحداثاً في قرى صغيرة وغير مشهورة في غياب الخريطة، بل حتى عندما انتقل الحديث إلى فلسطين وكانت هناك أسئلة حول المسافات التي قطعتها صواريخ حزب الله نجد أن المراسل الذي يقف في حيفا يعتذر عن ذكر المسافة من الحدود اللبنانية إلى حيفا بأن الجيش الإسرائيلي أخذ على المراسلين ألا يفصحوا عن هذه المعلومات "السرية". في وجهة نظري أن هذه كانت إجابة تصنف في الإجابات "الفضيحة" التي تفضح العرب الذين يجهلون جغرافية فلسطين والمسافات التي تقع بين صور وعكا وحيفا أو طبرية، وأيضاً لا يخجلون من التصريح بعذر كهذا من جهة مراسل فلسطيني أو من جهة المذيع المحوري في مركز القناة الرئيسي الذي لا يتوقف عند هذه النقطة ويعالجها، ولا تحاول القناة أن تسأل أحد شباب فلسطين هذا السؤال السري العسكري أو تبحث في طيات أبسط كتب الجغرافيا الفلسطينية. ولحسن الحظ أننا على الأسبوع الثالث اكتشفنا خدمة مهمة عند موقع "جوجل" الإلكتروني الذي أخذ يزود هذه القنوات بصور فضائية لهذه المدن وبمعلومات جغرافية اكتشفوا بعد زمن أنها علم مشاع ولم يصدق سريتها إلا المراسلون العرب.
ويلاحظ أن كثيراً من الصور التي تعرضها القنوات العربية لا تتقيد بذكر تاريخها أو مصدرها، ففي بعض الأحيان تكون قديمة من أيام سابقة وتبث على الهواء وكأنها حديثة اليوم. ويلاحظ كذلك على قنواتنا استطرادها الموسع على مدى الأربع والعشرين ساعة في الوصف النظري الذي لا نخرج منه بشيء مفهوم كثيراً, على خلاف الأمر عندما ننتقل إلى الـ "سي. إن. إن" أو الـ "سكاي" أو الـ "بي. بي. سي" التي في خلال ساعة واحدة تقوم بنقلنا إلى الحدث بشكل محدد وواضح على كل الجبهات مستخدمة فيها الصورة والخريطة والمعلومة المختلفة ولا تلجأ إلى سؤال محلل أو خبير إلا في البرامج التحليلية للأخبار. فهناك تمييز بين الأخبار والتحليل، وهذا ما تخلط بينه البرامج الإخبارية العربية ويأخذ المراسل في التحليل الذي لا يفيدنا في شيء في حين أننا نحتاج إلى الوصف في تلك المرحلة لدقائق الحدث.
وقامت القنوات اللبنانية بجهد ملموس على الرغم من الغارات الإسرائيلية على هوائياتها, ولا سيما قناة "المنار" التي دمر مبناها عن آخره, وعلى الرغم من ذلك بقيت ثابتة بكل قوة. ولعلي لن أقف كثيراً عند "المنار" لتقديري أنه ليست لديهم الإمكانات الفنية التي تمكنهم من تغطية الأحداث بشكل أقوى، فقد كانت أخبارهم تفتقد كثيرا من الصور، لكن ثباتهم في حد ذاته يعد أهم ما يخص "المنار" ووجودها، وعلى الرغم من ذلك قدمت مادة غير متوافرة في القنوات الأخرى حول ما يجري داخل إعلام ومجتمع العدو الصهيوني من خلال ترجماتهم الفورية ومتابعتهم الدقيقة لذلك، فضلاً عن أنها كانت منبراً لدعاية المقاومة تقوم بدورها على شكل قوي جداً, خاصة نقلها كلمات السيد حسن نصر الله التي أصبحت مناسبات ظهوره على الشاشة مناسبة دولية ينتظرها العربي والإسرائيلي والغربي والشرقي ليسمعها ويحللها، فيهيج الشارع العربي سعادة والنظام العربي سخطاً، كما يبدو، والغربي عجباً. أما القنوات الأخرى فقد وفرت خدمات محلية مهمة على المستوى الإنساني لاحظناه في "نيو. تي. في" وفي القنوات الأخرى, وكذلك النداءات التي كان يوجهها بعض الأسر المهجرة لبقية أفرادها في بحثهم عنهم، أو عن استعداد هذه القرية أو تلك لاستضافة أفواج النازحين، في صورة إنسانية وتلاحمية تبعث على الإعجاب. وما زالت القنوات اللبنانية بحاجة إلى المزيد من تصوير وتوثيق الدمار والأرواح بالصوت والصورة لتكون شاهداً مستقبلياً ودليلاً يساعد على جمع المعلومات حول جرائم الحرب المقترفة من قبل العدو، وليس من مصلحتهم ترك الجرافات تردم آثار الغارات دون أن تترك الفرصة قبل ذلك للتلفزيون حتى يصور كل صغيرة وكبيرة, وكذلك للهيئات المختصة كمنظمة العفو الدولية وغيرها ممن تبحث في أدلة الجريمة، فهذه معركة أخرى في حد ذاتها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي