في البرد وعندما تمرض منازلنا!
قد يكون من المناسب جدا ونحن نشبه المسكن في المنظومة البيئية أن يكون المسكن هو (الغطاء أو الغلاف) الثالث لجسم الإنسان، حيث إن الملابس الداخلية والخارجية تؤدي دور الغطاء الثاني للجسم وتكسبه نوعاً من الحماية والخصوصية، كما يمثل جلد الإنسان الغطاء الأول لحماية ما الجسم من أي أذى يتعرض له.
وإذا كان المنزل يمثل أحد الأغطية لجسم الإنسان فإنه يمثل خط الدفاع الأول في سلسلة الأغطية الثلاثة، ولذا فإن من المفترض أن يكون متوائما ومناسبا لجسم الإنسان الذي يسكنه، كما يفترض أن يكون مزوداً بأساليب الوقاية والحماية من ظروف البيئة الخارجية كالحرارة في فصل الصيف أو البرد القارس في فصل الشتاء ومن الظروف البيئية الأخرى، وكذلك من الحشرات والأوبئة وأن يتمتع الجسم بداخله بالأمن والشعور بالراحة والطمأنينة والخصوصية.
ومن المعلوم أن البرد وزمهريره أشد على الإنسان من الحرارة ولهيبها ذلك أن الحر يقاوم بالظل والتخفف من الغطاء الثاني أم البرد فهو يحتاج إلى منظومة للغطاء الأول وزيادة حماية من الغطاء الثاني للجسم، ولذلك نشاهد أنه حال تعرض هذا الغطاء (المنزل) لخلل ما في منظومته في البرد القارس فإن ذلك يؤثر في جسم الإنسان وربما يكون سببا في مرض الجسم بشكل مباشر مع ما يصاحب ذلك من عدم الشعور بالأمن والراحة عند السكن فيه بعد عناء عمل كل يوم.
ولعل التشخيص الأولي الذي يمكن أن نصفه لمنازلنا يوضح ما يأتي:
ــــــ ضعف العزل الحراري لحوائط المنزل الخارجية فإما أن تكون غير كافية أو غير موجودة مما يؤدي إلى أن تكون درجة الحرارة الخارجية كالداخلية فيسبب كثير الأمراض.
ــــــ أرضية المسكن هي عنصر مهم في اتصال جسم الإنسان فيها ولذلك تسبب هذه الأرضية أمراضا كثيرة جراء اختلاف درجة حرارتها عن حرارة الأقدام التي تسير عليها وهي في معظم مساكننا تهمل ولا يتم وضع أي حل لها خصوصا إذا كانت من الرخام أو البورسلان أو السيراميك ... إلخ.
ــــــ ضعف نقاط الاتصال مع البيئة الخارجية كالأبواب والنوافذ، فهي تصنع بشكل رديء مما تتسبب في خلل في المنظومة البيئية للمنزل فينفذ من خلالها الهواء والغبار وغير ذلك.
ــــــ معالجة فراغات المنزل بشكل منفصل فيتم تدفئة أماكن النوم وتترك الصالة ودورات المياه وغيرها ومما يسبب في اختلال توازن البيئة الداخلية للمسكن فيمرض المسكن ويمرض أصحابه في حال تنقلهم الحتمي من فراغ إلى فراغ، وخصوصا الصغار الذين لا يمتلكون الخبرة الكافية في الوقاية من برد الشتاء.
ــــــ قد يعمد البعض إلى التدفئة بواسطة الفحم وهو في الحقيقة القاتل البطيء ذلك أنه يستهلك الأوكسجين الموجود في الفراغ وينتج ثاني أوكسيد الكربون وأول أوكسد الكربون مما يتسبب في هلاك الأفراد الذين ينامون في ذلك المكان المغلق.
ولعلي اكتفي بهذا التشخيص مع أنك لو أخذت جولة داخل المنزل لا تضح لك عن كثب الصورة الكاملة لحجم الأمراض التي يتعرض لها بعض منازلنا، فالماء الذي نشربه وهو العنصر المهم في المنزل قد يتلوث في الخزان العلوي أو السفلي نتيجة تسربات أو وقوع حشرات بداخله ليسبب أمراض، والتكييف السيئ للغرف يحدث خللا في أجواء المنزل الداخلي مما يتسبب في نزلات برد. عدم التأريض للكهرباء في المنزل يسبب أضرار بالغة للصغار والكبار. الأبواب المشرعة والنوافذ المفتوحة تسمح بدخول الحشرات الضارة للجسم، الفرش الذي نفترشه وهو من مواد صناعية (بتروكيماوية) ويغطي بعض أرضيات المنزل يحمل بين شعيرات الفرش حشرات صغيرة تسبب أضرارا على الجسم والشعرات المتطايرة من الفرش في الهواء تستقر في الرئة حينما نستنشق الهواء داخل المنزل، الغازات السامة من مادة الرصاص التي تتطاير حينما نقوم بطلاء المنزل، الأصوات والضجيج الذي تحدثه الآلات داخل المنزل، المجال الكهرومغناطيسي الذي يوثر في جسم الإنسان تحدثه الآلات الكهربائية، الإضاءة غير الكافية في بعض الغرف، الإضاءة المتوهجة في بعض جوانب المنزل، الجفاف الذي يزيد منه تكييف الفريون، الألوان المزعجة للفرش أو الحوائط، الروائح الصناعية.. إلى غير ذلك، تجعل من بعض فراغات المنزل مأوى للاكتئاب والمرض والسآمة والملل وربما فقدان الحياة.
وحينما نقف على تلك الصورة يجب أن نضع حلولا مناسبة في عيادة هندسية لعلي أستعرض بعضا منها في المقال القادم لنتخلص من تلك الأمراض بالعلاج المناسب. كما يفترض ألا نبالغ في تضخيم حجم تلك الصورة لتصبح نوعاً من الوسواس.