أمريكا وظاهرة إبرام اتفاقيات تجارة ثنائية
<a href="mailto:[email protected]">jasim.husain@gmail.com</a>
أزور العاصمة الأمريكية واشنطن هذه الأيام للمشاركة في سلسلة ندوات حول السياسات الاقتصادية للولايات المتحدة فيما يتعلق بمنظمة التجارة العالمية ومفاوضات جولة الدوحة. وبعد مناقشات مستفيضة زادت قناعتي بأن واشنطن بدأت تميل أكثر من أي وقت مضى نحو إبرام اتفاقيات تجارة ثنائية وليس جماعية.
وبدا لي بشكل لا غبار عليه أن الولايات المتحدة تعاني من صعوبة كبيرة في التعامل مع الاتحاد الأوروبي حول مختلف القضايا وعلى الخصوص تلك موضع الخلاف في مفاوضات جولة الدوحة المتعثرة. فقد ذكر دبلوماسي أمريكي، طلب عدم ذكر اسمه، أن الولايات المتحدة لها مشكلة مع جهة واحدة وهي بالتأكيد الاتحاد الأوروبي. فالخلافات جوهرية لأنها تمس أمورا مثل الرسوم على الواردات والدعم المقدم للمصدرين فضلا عن منح الدول حقوق الوصول إلى الأسواق بدون شروط تعسفية.
قانون الترويج
فالولايات المتحدة شأنها شأن بعض الدول الأخرى تعمل جاهدة في التوصل إلى اتفاقيات ثنائية على صعيد التجارة الدولية. ويعمل مكتب الممثل التجاري الأمريكي على الاستفادة من الصلاحية الخاصة الممنوحة من قبل الكونجرس. وبموجب الصلاحية يحق لمكتب الممثل التجاري الدخول في مفاوضات مع الدول الأخرى بهدف التوصل إلى اتفاقيات ثنائية. وتكمن ميزة ما يعرف (بقانون الترويج التجاري) في أنه يسقط حق الكونجرس في إجراء تغييرات في العقود المبرمة. وعلى هذا الأساس المطلوب من المشرعين التصويت بنعم أو على المشاريع المقترحة كحزمة واحدة. وكان الكونجرس قد منح الرئيس جورج دبليو بوش هذه الخاصية في عام 2002 إلا أن هذه الصلاحية تنتهي في منتصف عام 2007. ولا غرابة يعمل مكتب الممثل التجاري بلا كلل بهدف إبرام أكبر عدد ممكن من الاتفاقيات الثنائية في المدة المتبقية من القانون. في الوقت الحاضر تجري الولايات المتحدة مفاوضات مع دول أخرى مثل ماليزيا بهدف التوصل إلى اتفاقية ثنائية للتجارة مثل تلك المبرمة مع سنغافورة. وهناك محادثات أخرى جارية مع البيرو للغرض نفسه.
دور البيت الأبيض
ويلاحظ أن جهاز الممثل التجاري الأمريكي يتبع البيت الأبيض مباشرة الأمر الذي يعكس مدى الأهمية التي توليها الحكومة الأمريكية للتبادل التجاري مع الدول الأخرى. ويعمل في الجهاز 230 غالبيتهم من المتمرسين في التجارة الدولية. لكن المطلوب من جهاز الممثل التجاري التنسيق مع الدوائر الرسمية الأخرى لضمان الأخذ بآرائها في المفاوضات مع الطرف الآخر. كما يتم السماح لمنظمات المجتمع المدني (مثل الجمعيات المنادية بحقوق العمال والمستهلكين والبيئة) مناقشة تفاصيل الاتفاقيات الثنائية قبل وأثناء وبعد الانتهاء من إبرامها.
ومن المتوقع أن يكون مجلس النواب في الكونجرس الأمريكي قد صوت على مقترح اتفاقية للتجارة مع سلطنة عمان قبل تاريخ نشر المقال الذي بين يديك. وكان مجلس الشيوخ قد صوت لصالح الاتفاقية بتاريخ 29 حزيران (يونيو) بأغلبية 60 صوتا مقابل 34 صوتا معارضا. وبات في حكم المؤكد أن مقترح اتفاقية للتجارة الحرة مع سلطنة عمان سوف ينال رضا الكونجرس ولكن بأغلبية على المقترح ولكن بأغلبية ليست كبيرة نظرا لقرب موعد الانتخابات التشريعية قبل نهاية السنة الجارية. فأعضاء الحزب الديمقراطي أقل تحمسا لاتفاقيات التجارة الحرة لأسباب سياسية حيث إن ذلك مطلب للناخبين الذين بدورهم يخشون من خسائر الاقتصاد الأمريكي للمزيد من الوظائف.
المعروف أن الولايات المتحدة أبرمت اتفاقيات للتجارة الحرة مع كل من الأردن والمغرب والبحرين وذلك ضمن مخطط إقامة منطقة للتجارة الحرة مع دول الشرق الأوسط مع حلول عام 2013. ومن المنتظر أن تدخل اتفاقية التجارة مع البحرين حيز التنفيذ مع بداية شهر آب أغسطس. وكان الطرف الأمريكي قد طالب البحرين باستصدار تشريعات جديدة تتعلق بالحافظ على كل ما له علاقة بالإبداع الذهني كشرط جوهري لتنفيذ الاتفاقية التي وقعها الرئيس بوش في بداية العام الجاري. وبالفعل وافق البرلمان البحريني أخيرا على ثمانية قوانين تتعلق بأمور مثل حقوق المؤلف والعلاقات التجارية لضمان الاستيفاء بالشروط الأمريكية.
سباق عالمي
وفي خطوة مماثلة لكن في الاتجاه المقابل يلاحظ اندفاع الاتحاد الأوروبي نحو إبرام اتفاقيات للتجارة الحرة مع التكتلات الإقليمية. وخير دليل على ذلك رغبة الاتحاد الأوروبي الذي يضم 25 دولة في إبرام اتفاقية للتجارة مع دول مجلس التعاون الخليجي قبل نهاية العام الجاري. حتى الماضي القريب كان الاتحاد الأوروبي يبدي تحفظات مختلفة في المفاوضات مع دول مجلس التعاون لكن تغير الحديث الآن فأصبح الهدف هو التوقيع على الاتفاقية بطريقة أو أخرى.
ختاما، يلاحظ أن العديد من الدول ترغب في التوصل إلى اتفاقيات للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة لسبب جوهري وهو الوصول إلى السوق الأمريكية الضخمة بكل المقاييس. تزيد قيمة الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي عن 12 تريليونا (12 ألف مليار دولار). ولغرض المقارنة يحتل الناتج المحلي الإجمالي الياباني المرتبة الثانية في العالم لكنه يساوي 40 في المائة من حجم الاقتصاد الأمريكي. والأهم من ذلك, تبلغ قيمة الواردات الأمريكية نحو ألف و700 مليار دولار.