التأمين بالمملكة بين الحاجة والرفاهية
بالرغم من حداثة تنظيم سوق التأمين بالمملكة، إلا أنه استطاع أن يستحوذ على اهتمام مختلف الشرائح في مجتمعنا وعلى مختلف القطاعات الاقتصادية الفاعلة في المملكة بل وحتى خارجها. ونظراً للوظائف المتعددة التي يؤديها التأمين، فإن هذا الاهتمام نجده عند الأفراد العاديين الذين يبحثون عن الأمان الاقتصادي والصحي والاجتماعي، وذلك مثلما نجده عند الهيئات والمؤسسات الاقتصادية العاملة في القطاعين الحكومي والخاص. فالتأمين لم ينشأ لتلبية حاجة الفقراء فحسب، وإنما جاء كذلك ليبي حاجة الأغنياء ويوفر الأمان لهم ويضمن القدر نفسه من الرفاهية والعيش ضمن المراكز الاقتصادية التي يحظون بها، وذلك من خلال المحافظة على ثرواتهم وممتلكاهم من المخاطر التي تحف بها وتعويضهم عنها في حال تعرضها لأي خطر من المخاطر التي يغطيها التأمين.
ولذلك فالحاجة إلى التأمين لم تتوقف عند الأفراد، فحتى القطاعات والهيئات تتسارع لديها وتيرة الاهتمام بالتأمين وتغطية أصولها وممتلكاتها ضد المخاطر المحتملة، وتقوم بتغطية موظفيها كذلك بالتأمين حتى بات الكثير منا ينظر إلى أن التأمين أصبح ميزة جاذبة يتم إدخالها ضمن مغريات الوظيفة، والبعض الآخر منا أخذ ينظر إليه على أنه حاجة لا تقل عن حاجته إلى الراتب. وأصبح التأمين كذلك حاجة وضرورة للوزارات والهيئات والمصالح والمؤسسات الحكومية لتضمن استمرارية خدماتها وعودتها للخدمة بأسرع وقت والحصول على تعويض عن توقف خدماتها وإصلاحها في حال حصول أعطال تؤثر في أدائها. وذلك من غير إثقال لكاهل بنود الميزانية العامة وما تقوم الدولة بدفعها لهذه الجهات عند حصول مخاطر معينة كالأعطال التي تحصل نتيجة حريق أو عوامل بيئة أو تقنية معينة. هذا الاهتمام بالتأمين نجده كذلك بالنسبة لعقود المقاولات الحكومية وخاصة عقود الإنشاءات الكبيرة التي تُلزم الدولة من خلالها المقاول الذي يرسو عليه المشروع أو المناقصة بأن يقدم غطاءاً تأمينياً على المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها المشروع بسبب أعمال المقاولة.
ولذلك فلقد جاءت الأنظمة في المملكة لتعزز من وظائف التأمين هذه، فصدر كثيرٌ من الأنظمة واللوائح على رأسها نظامي مراقبة شركات التأمين التعاوني والضمان الصحي التعاوني ولائحتيهما التنفيذيتين، وكذلك ما قامت به (ساما) من مجهودات ملحوظة من خلال وظيفتها الرقابية للسوق، وكذا إصدار عدد من اللوائح والقواعد التي تضبط من خلالها إيقاع سوق التأمين في المملكة، مثل اللائحة التنظيمية لسلوكيات سوق التأمين، ولائحة مكافحة الاحتيال في شركات التأمين وشركات المهن الحرة، وقواعد مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في شركات التأمين، وغير ذلك من اللوائح التي أدت دوراً مهماً وعززت الجانب الرقابي للمؤسسة.
ولعل أداء السوق يعكس حقيقة وضع التأمين بالمملكة، فالمملكة تُعد أحد أهم أسواق التأمين التعاوني في المنطقة، وهي محط أنظار الكثير من شركات التأمين وشركات إعادة التأمين العالمية. فالمملكة تُعد رائدة سوق التأمين التعاوني والبيئة المثالية للتأمين التكافلي. فالتوقعات تشير إلى أن المملكة ستصبح رائدة التأمين التكافلي على مستوى العالم وذلك بالنظر إلى النمو السريع الذي يتميز به هذا النوع من التأمين والقبول الذي يحظى به من المعنيين والمستفيدين من التأمين. ويعزز من ذلك أيضاً توجه كثيرٌ من شركات التأمين بالمملكة للاستثمار في هذا النوع من التأمين، كما أن الأنظمة في المملكة تشجع على العمل في التأمين التكافلي. ولذلك فإنه يُنظر إلى المملكة على أنها ستكون رائدة التأمين التكافلي في المستقبل القريب ومرجعاً عالمياً له.
ولاشك أن متانة الاقتصاد السعودي وعدم تأثره بشكل كبير بالأزمات المالية التي مر بها العالم أثّرت بشكل كبير في وضع سوق التأمين بالمملكة. كما استفاد قطاع التأمين من الإنفاق السخي الذي قامت به المملكة خاصة فيما يتعلق بالمشروعات الإنشائية الضخمة التي تعمل على إنجازها مختلف القطاعات الحكومية حالياً. ولذلك فليس غريباً أن يكون قطاع التأمين على الإنشاءات من القطاعات التي حظيت باهتمام كبير من شركات التأمين، وذلك كما هو الحال بالنسبة للتأمين الصحي والتأمين على الممتلكات وتأمين الطاقة والطيران وتأمين المسؤولية وكذا تأمين الحماية والادخار. وتعكس تقارير الجهات العالمية التي تهتم بالسوق السعودية مثل تقرير الـ BMI أو الجهات الحكومية وعلى رأسها تقرير (ساما) معطيات مهمة لنمو السوق ومعدل الإنفاق على التأمين في المملكة وهذا النمو مستمر ويعكس حقيقة واحدة وهي أن التأمين قد دخل بقوة ضمن منظومة الاقتصاد السعودي.
ولا شك أن هناك تحديات كبيرة تواجه سوق التأمين بالمملكة ولعل من أهمها الحاجة إلى تنظيمات جديدة للسوق تعزز من مساهمة التأمين في الحياة الاقتصادية والاجتماعية في المملكة، والحد من ضخ شركات جديدة لا تملك خبرات ولا قدرات بشرية للعمل في السوق ودعم مخرجات التعليم والتدريب الخاصة بالتأمين ودعم القضايا الوطنية الخاصة بالتأمين مثل قضايا السعودة والتأمين الصحي على السعوديين من قبل الدولة وفق منظومة الرعاية صحية التي تساهم بها عدة إطراف. ومن التحديات كذلك تعزيز رؤوس الأموال في شركات التأمين وتعزيز الثقة بشركات إعادة التأمين المحلية ودعم سياسة تقليص عدد الشركات في السوق من خلال تشجيعها على الاندماج فيما بينها وكذا تعزيز ثقة المستهلك بشركات التامين وإيجاد مرجعية قضائية فعالة لتحصيل حقوق أطراف التأمين.