صناعة البناء .. هل يمكن لنا توطينها؟
يتطلع الجميع إلى توطين الوظائف، ذلك أنها قصر العمل على السعوديين، إضافة إلى الإحلال التدريجي للعمالة الوطنية وفق عدد من المتغيرات والأبعاد، وصولاً في النهاية إلى توطين الوظائف والاستخدام الكامل والأمثل للعمالة الوطنية بما يسعى إلى تأهيل الفرد المواطن للقيام بمهام وظيفية معينة مسندة أعمالها إلى كفاءات غير وطنية، شرط أن تكتمل جميع العناصر المطلوبة لأداء العمل في الفرد الوطني. وهي في غاية الأهمية، وتسعى وزارة العمل اليوم إلى تطبيق ذلك من خلال النطاقات للشركات والمكافآت التي تحصل عليها في حال التزامها بالشروط التي تصب في مصلحة الوطن، لكن ونحن في غمرة ذلك لم نبد أي اهتمام بتوطين صناعة البناء في المملكة.
قبل عقد من الزمان ذهبت مع مجموعة من المهندسين إلى زيارة مصنع في إحدى الدول الاسكندنافية التي تصنع أرضيات من مادة (بي في سي) النفطية التي تستخدم في المستشفيات والمكاتب وغيرها، وقبل أن ندلف إلى باب المصنع استوقفتنا أكياس مواد الخام وقد كتبت عليها شركة سابك فتعجبنا من ذلك، وقلت في نفسي هل بالإمكان أن نصدر الأرضيات بدل المواد الخام ونوطن صناعة البناء في المملكة وتكون أعمال الصيانة والإصلاح والاستبدال في متناول أيدينا بدل أن ترسل إلينا من دول اسكندنافية ولتستغرق العملية أشهرا بدلا من أيام.
وإننا حين نتبنى مصنعا فإننا نعكس المصطلح الذي يقول (فكر بشكل عالمي واعمل بشكل محلي)Think globally and act locally، إذ إننا في الحقيقة نفكر بشكل محلي ونعمل بشكل عالمي، فعندما تشاهد كثيرا من مصانع الشركات العاملة في صناعة البناء في المملكة تجد أن مصانعها تكبر التي في دول العالم، لكن حينما تتتبع إنتاجها تجدها لا تتجاوز حدود الوطن وتفكر بشكل محلي بحت، إننا نخسر كثيرا من ذلك بفعل عوامل كثيرة.
إن نظام البناء في المملكة يحتاج إلى مراجعة دقيقة لإضافة ما يمكن أن تكون مساهمة في ذلك التوطين، وليعمل على محورين اثنين هما إنشاء نظم متطورة تحتاج إلى عمالة وموظفين مهرة يلزم أن توطن وظائفها، وإحداث مصانع لمواد لتلك النظم تخص المملكة تستخدم المواد الأولية النفطية وتكون المملكة رائدة في تلك الصناعات. وبهذين المحورين يمكن أن نحدث تغييرا في التنمية الاستراتيجية للمملكة ونسهم بشكل كبير في توطين الوظائف وتوطين صناعة البناء، فإذا كان قطاع البناء يغص بالعمالة الأجنبية فإن محال ومعارض مواد البناء تغص هي الأخرى بالمواد الأجنبية، فلا يمكن حل المعادلة دون أن نراجع نظم البناء وتعديل ما يمكن ليتسنى لنا التوطين بالكامل، وإلا فمن الأفضل أن نوجد مصانع في الخارج نصدر لها المواد والعمالة ونحصل على المنتج النهائي دون أن نعاني تكدس العمالة ومواد البناء في كل شارع وطريق.
في تحليل بسيط لصناعة البناء هناك عناصر يمكن لنا أن نوطنها بشكل سريع؛ ذلك أننا دولة تصدر النفط وهو عنصر أساس لكثير مواد البناء، ويمكن أن نستعرض عنصرين على أمل أن توطن تلك المواد وتدعم ذلك وزارة البلديات أو وزارة الإسكان في إسكاناتها التي تبنى الآن بمليارات الريالات.
1 - الأرضيات: فبدلا من استيراد الرخام من دول شتى يمكن لنا أن نصنع الأرضيات التي تستخدم مواد نفطية كـ ''بي في سي''، وهي مادة لدنة ممكن أن تشكل وهي الآن تستخدم في المستشفيات على نطاق واسع فيمكن لنا أن نصبح الدولة الأولى في تصدير هذه المادة، إذ إننا نمتلك المواد الأولية لها وفقط ينقصنا توطين تلك التقنية.
2 - الحوائط الداخلية: قبل سنوات أيضا شرعت ''سابك'' في عمل حوائط داخلية بحجم الحوائط الجبسية لكن من البلاستيك إلا أنها - مع الأسف - لم تلاق التوطين المطلوب، إذ لا بد من أن يكون هناك نشر لهذه المادة أولا في كليات العمارة وتعريف المعماريين بها وأن توطن، إذ إن تلك المواد هي في غاية الأهمية إذا ما تبناها المعماريون وأضافوها في مواصفاتهم للمباني بديلا عن المواد الأخرى.
إن التنمية الحقيقية في نظم الإنشاءات وقطاع البناء هي أن نوجد صناعة بناء وطنية تستخدم التقنية في صناعتها وتستهدف توظيف العمالة الوطنية فيها، وأن تكون رائدة في تصدير تلك الصناعة إلى العالم أجمع.