ماذا وراء النقد للعمل الفلسطيني المقاوم؟!
<a href="mailto:[email protected]">drashwan59@yahoo.com</a>
عجيبة هي بعض المواقف العربية تجاه العدوان الإسرائيلي الحالي على الشعب الفلسطيني وحكومته وسلطته الوطنية، ولا يقتصر هذا العجب في المواقف على الحكومات والمسؤولين الرسميين بل يمتد إلى بعض من المحللين والكتاب والسياسيين.
والعجب الحقيقي في ما نشره وقاله بعض المنتمين إلى تلك الفئة الأخيرة أنهم تلبسوا ثياب الحكمة والموضوعية والحياد ـ وكلها ادعاءات تشي كتاباتهم وأقوالهم بزيفها وكذبها ـ وراحوا يركزون تحليلهم ونقدهم للأزمة الخطيرة التي يمر بها الشعب الفلسطيني كله على ما أشاعوا أنه السبب المباشر لها، وهو حسب رأيهم وترويجهم قيام فصائل المقاومة الوطنية الفلسطينية بمهاجمة الموقع العسكري الإسرائيلي وقتل بعض من كانوا فيه واختطاف الجندي الإسرائيلي منه. لقد تبنى هؤلاء حجة لا تصمد أمام أي نقد ولو واهيا، وهي زعمهم أن هذا الهجوم قد جاء في لحظة غير مناسبة لكي يجهض إمكانية "حقيقية" لبدء مفاوضات فلسطينية ـ إسرائيلية كان يمكن لها أن تسفر عن تحقيق مطالب الشعب الفلسطيني المشروعة. وبينما يستفيض هؤلاء في نقدهم لهذا "التصرف الطائش غير المحسوب" حسبما يصفونه لفصائل المقاومة الفلسطينية والذي أضاع في رأيهم تلك الفرصة "التاريخية" للشعب الفلسطيني، لا يقدمون من أدلة وقرائن لصحة زعمهم سوى ذلك الإفطار غير الرسمي للتعارف الذي جمع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد إيهود أولمرت في الأردن على مائدة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني.
لقد نسي هؤلاء السادة أو يسعون إلى تناسي أن لا شيء في الأفق بعد تشكيل حكومة حماس الفلسطينية وحكومة الائتلاف بقيادة حزب كاديما الإسرائيلي كان ينبئ بأي فرصة حقيقية لبدء مفاوضات جادة بين الطرفين، بل على العكس تماماً فقد واصلت إسرائيل وحلفاؤها وأصدقاؤها عبر العالم محاصرة الشعب الفلسطيني كله بحجة حصار حكومته بما أوصله إلى حالة من التدهور الصحي والغذائي والمالي نددت بها كل المنظمات الدولية المختصة المحايدة. وقد نسي هؤلاء أو تناسوا أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة ـ ومعها الأصدقاء والحلفاء ـ قد ظلت مصرة حتى قبل هجوم المقاومة على الموقع العسكري الإسرائيلي بأنها لا تجد شريكاً فلسطينياً تفاوضه رافضة بحزم أن تعترف بحكومة حماس المنتخبة ديمقراطياً كممثل شرعي للشعب الفلسطيني. ويبدو أيضاً أن هؤلاء الناقدين للهجوم على الموقع العسكري الإسرائيلي واختطاف الجندي منه، قد نسوا ما حدث قبله مرات عديدة من هجمات جوية إسرائيلية على المدنيين في قطاع غزة وما أدت إليه من قتل وجرح العشرات منهم وبخاصة من الأطفال. إن من يقرأ أو يسمع تلك الانتقادات لعملية المقاومة الفلسطينية ضد الموقع العسكري الإسرائيلي واعتبارها السبب المباشر للأزمة الحالية والعدوان الإسرائيلي، يتسلل إليه انطباع بأن العلاقات الفلسطينية – الإسرائيلية قبلها كانت في "شهر عسل" يسوده الهدوء والوئام والتفاهم، وأتت تلك العملية لكي تفسده وتعكر صفوه.
إن القضية في هذا السياق ليست مجرد الدخول في سجال غير مفيد حول طبيعة العلاقات الفلسطينية ـ الإسرائيلية قبل العملية العسكرية وبعدها، بقدر ما هي طبيعة التأثير الذي يمكن أن تتركه على مستقبل تلك العلاقات. وفي هذا الإطار يبدو ضرورياً أن نعيد لفت انتباه هؤلاء المنتقدين للعمل الفلسطيني المقاوم المسلح من حيث المبدأ بحجة إضراره بالمصالح الفلسطينية، إلى أن ما هو مطروح اليوم في أقصى حالاته وأكثرها تفاؤلاً بين الفلسطينيين والإسرائيليين هو التفاوض الشاق الصعب الذي سيستغرق ـ إذا بدأ من الأصل ـ سنوات طويلة. والتفاوض كما يعلم هؤلاء السادة ليس مجرد جلسات يسودها الود والقبول المتبادل بين الطرفين بغض النظر عما يمتلكه كل منهما من قوة ووسائل للضغط على الطرف الآخر، بل هو حصيلة لتوازن واقعي للقوة بين هذين الطرفين. من هنا، فإنه يمكن النظر إلى تلك العملية الفلسطينية المسلحة ضد الموقع العسكري الإسرائيلي واختطاف الجندي الإسرائيلي منه والمساومة به على إطلاق سراح مجموعة من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، باعتبارها إضافة إلى القوة الواقعية للطرف الفلسطيني سيكون لها تأثيرها على أي عملية تفاوض تبدأ في أي وقت لاحق مع الطرف الإسرائيلي. إن تلك هي الطريقة التي تنظر بها الدولة العبرية إلى ممارستها العدوانية والمخالفة للقانون الدولي ضد الشعب الفلسطيني، حيث ترى فيها وسائل للضغط على الشعب الفلسطيني ومن يمثلونه في أي مفاوضات مقبلة، أفلا يكون للفلسطينيين الحق في أن يفعلوا كما يفعل عدوهم ـ أو مفاوضهم القوي ـ حتى يزيدوا من فرصهم في الحصول على بعض حقوقهم؟
إن الخطورة الحقيقية لتلك الكتابات والأقوال الناقدة للعمل الفلسطيني المقاوم المسلح وبخاصة في مثل تلك اللحظات شديدة الحرج والخطورة، أنها تبدو كتبرير سافر للعدوان الإسرائيلي الغاشم الذي يقع اليوم على كل أبناء الشعب الفلسطيني دون أي تمييز بينهم. ولا شك أن إسرائيل لا تنتظر تبريراً من أحد لما تقوم به من اعتداءات واجتياحات متواصلة ومنتظمة ضد هذا الشعب، فهي تخطط جيداً لخطواتها السياسية والعسكرية وتستند في وضعها وتنفيذها إلى المصلحة الإسرائيلية دون غيرها. من هنا فإن مكمن الخطورة يتركز فيما تشيعه تلك الكتابات والأقوال الناقدة الرافضة لأي عمل مقاوم ضد الدولة العبرية والنظر إليه باعتباره "تخريباً" للجهود السياسية والدبلوماسية، بين أوساط الرأي العام العربي من مشاعر خوف واستسلام وتسليم لآخر ما تبقى لدى الفلسطينيين من أدوات للضغط على الطرف الإسرائيلي، وهو الأمر الذي سيؤدي في نهاية المطاف إلى استسلام الفلسطينيين لكل ما سيفرضه عليهم الإسرائيليون حتى قبل أن يصلوا معهم إلى مائدة التفاوض.