هل لا يزال اتفاق أوسلو ساريا؟
لم تحترم إسرائيل أيا من أحكام أوسلو خاصة قضايا الوضع النهائي الخمس التي حظرت أوسلو أي تصرف انفرادي بشأنها وهي القدس التي تتسارع فيها عمليات التهويد والضم، واللاجئون الذين أعلنت إسرائيل قطعيا رفضها عودتهم، ثم المياه وقد سحبتها من الضفة وتسمم آبار غزة، والحدود وهي لا تعترف بأي حدود داخل فلسطين، أما الأمن وهو الموضوع الخامس فقد أصبح أمن إسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني.
قد لا تعرف الأجيال الجديدة من اتفاق أوسلو إلا اسمه، ولكن لأول مرة يستخدم الخطاب السياسي الإسرائيلي هذا المصطلح عندما أعلن أن إسرائيل تدرس إنهاء اتفاق أوسلو.
في هذه المقالة نبحث مدى جدية وجدوى هذا الإعلان. فاتفاق أوسلو هو الاتفاق الذي وقعه ياسر عرفات مع إسحاق رابين رئيس وزراء إسرائيل بحضور الملك حسين والرئيس المصري والرئيس الروسي في حديقة البيت الأبيض يوم 13 أيلول (سبتمبر) 1993 ويفترض أن هذا الاتفاق هو أول ثمار مؤتمر مدريد للسلام في تشرين الأول (أكتوبر) 1991 والذي أكد أن قراري مجلس الأمن 242 و338 هما الأساس في كل التسويات مما يعني أن تنسحب القوات الإسرائيلية عن الأراضي الفلسطينية المحتلة يوم الخامس حزيران (يونيو) 1967. وتضمن اتفاق أوسلو أحكاماً تؤدي إلى إنشاء سلطة فلسطينية للحكم الذاتي الإداري، وخلال خمس سنوات أي في أيار (مايو) 1999 من بدء تنفيذ الاتفاق باعتباره إعلانا مبادئيا يدخل الطرفان الفلسطيني ـــ الإسرائيلي مفاوضات لتحديد الوضع النهائي للأراضي الفلسطينية. فهم الطرفان الاتفاق بطرق مختلفة، عرفات فهمه على أنه يتيح له أن يعود إلى فلسطين من المنفى وأن يطالب بالمزيد وهو أول اتفاق مع الإسرائيليين وأن الطريق إلى الدولة الفلسطينية صار مفتوحاً، أما إسرائيل فاعتبرت الاتفاق اعترافاً من الجانب الفلسطيني بمشروعها الذي يلتهم كل فلسطين، وأنه محطة مهمة سمحت بأن تضع إسرائيل كل القيادات الفلسطينية تحت قبضتها وأن تكلف السلطة بتأمين إسرائيل من مخاطر المقاومة فنقلت المعركة بينها وبين الفلسطينيين إلى الصف الفلسطيني خاصة أن عرفات اعترف بإسرائيل دون تحديد، بينما اعترفت إسرائيل بمنظمة التحرير ممثلاً شرعياً وحيدا للشعب الفلسطيني ولم تعترف بحقوق هذا الشعب، كما لم تشر إلى نهاية النفق في المفاوضات مما أدى إلى ثلاث نتائج خطيرة هي: انقسام الصف الفلسطيني، وإنتهاء منظمة التحرير ليحل محلها السلطة الوطنية، وأخيراً تسارع وتيرة التهويد بحضور الطرف الفلسطيني، ثم سعت إسرائيل إلى فصم العلاقة بين العرب والفلسطينيين ما دام يورط العرب، لكن المهم أن إسرائيل عرفت كيف تصفي أوسلو وتفرغها من مضمونها وكرست الآثار السلبية للاتفاق على الساحة الفلسطينية والعربية حتى أن "حماس" دخلت الانتخابات بموجب أوسلو رغم أنها ترفض أوسلو.
على الجانب الإسرائيلي، لم تحترم إسرائيل أيا من أحكام أوسلو خاصة قضايا الوضع النهائي الخمس التي حظرت أوسلو أي تصرف انفرادي بشأنها وهي القدس التي تتسارع فيها عمليات التهويد والضم، واللاجئون الذين أعلنت إسرائيل قطعيا رفضها عودتهم، ثم المياه وقد سحبتها من الضفة وتسمم آبار غزة، والحدود وهي لا تعترف بأي حدود داخل فلسطين، أما الأمن وهو الموضوع الخامس فقد أصبح أمن إسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني، وقد سبق أن عبر شارون عن ضيقه في هذا الاتفاق رغم كل ذلك، كما تعهد نتانياهو في ولايته الأولى من 1993 ـــ 1996 بقتل الاتفاق، وانتهى الأمر باحتجاز عرفات ثم قتله وتمزيق الساحة الفلسطينية وفصم الإطار العربي وانفراد إسرائيل بالساحة الإقليمية والدولية في مواجهة زحف كابوس نزع الشرعية عنها، فماذا بقي من أوسلو حتى تلغيه إسرائيل سوى وجود السلطة وهي مهددة بالسقوط.