ما خاب من استشار . . وزارة الاتصالات تحترم "العموم"

[email protected]

لم يعتد المواطن السعودي على أخذ رأيه في الأمور التي تخصه، فقد تم ترويضه ليقبل ما يملى عليه فهو مهان في البيت ومروض في المدرسة ومسير في العمل. وان تم التشاور فهو مع القلة القليلة التي تمثل الجهات الحكومية، حتى فوجئنا بقيام وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات بطلب الرأي والمشورة في أنظمتها والقوانين التي ستصدرها، لم تكتف الوزارة بخبر صحافي ينشر على مزاج الصحيفة أو المحرر، لكن قامت الوزارة بنشر إعلانات بحجم ربع صفحة تطلب الوزارة فيها مرئيات العموم حول مشاريعها التي تطرحها، وهذه الإعلانات تنشر في جميع الصحف السعودية وبشكل متكرر، وتقدم فيها الوزارة نبذة تعريفية عن المشروع أو النظام، ثم تطلب بكل أدب جم من العموم تقديم مرئياتهم حول المشاريع، وتحيلهم إلى موقع الوزارة على الانترنت www.mcit.gov.sa لمزيد من التفاصيل.
والمشاورة من صفات القائد المحنك الواثق من نفسه، وقد حض الله سبحانه وتعالى المؤمنين على التشاور ( وشاورهم في الأمر )، ويحدثنا الصحابي الجليل عن نبينا المعصوم ( ما رأيت أحداً أكثر مشورة لأصحابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم )، وبعض القادة يخشون التشاور ويعتبرونه ضعفاً في الشخصية ، وأنى له ذلك وهو يزيد عقلك بعقول الآخرين ، ويسدد الخطأ ويغطي العجز ويكمل النقص .

أجمل ما في الإعلان كلمة "العموم"، وقد تعودنا على مديري العموم، ولم نعتد على مخاطبتنا بـ "العموم"، والعموم هذه تشمل كل فرد فالوزارات الأخرى عموم والشركات عموم والمتخصصون في مجال الاتصالات عموم ، والأهم من ذلك أن كل مواطن من العموم، فالوزارة تعلم أن أنظمتها ومشاريعها مؤثرة في الشأن العام، وتهم كل مواطن أو على الأقل تؤثر في كل مواطن بشكل مباشر أو غير مباشر فهي تؤكد بشكل ساطع تقديرها واهتمامها بالمستفيدين من خدماتها فهي تطلب منهم تقديم الرأي في المشاريع التي ستصدر قبل أن تصدر، ولا تكتفي بالطلب بل وتحرص على الإعلان في جميع الصحف ولأكثر من مرة، وكأنها تشحذ العموم شحذاً لإبداء مرئياتهم في مشاريعها قبل صدورها.
مهما كان رأي المسؤول أو الوزارة والعاملين فيها حصيفاً ودقيقاً ومتأنياً، إلا أنه لن يصل إلى الكمال، وإن كان طلب الكمال مطلباً مشروعاً، فالوزارة بطلب رأي الغير تخرج من عباءة ورأي المشرع والمنفذ إلى عقل ومصلحة المستفيد والمتعامل والأطراف الأخرى، وهم الذين قد يكونون أكثر المتأثرين بهذه الأنظمة والمشاريع، فرأي الشركات المتخصصة في الاتصالات رأي مهم، ورأي الجهات الحكومية الأخرى أيضاً مهم ورأي المواطن مهم، ويبقى رأي المستفيد النهائي من أي مشروع دون شك هو الأهم.
لا يحضرني عدد الأنظمة والمشاريع التي صدرت من الجهات الحكومية المختلفة، وبمجرد صدورها بدأ الاعتراض عليها ومهاجمتها، وإن كان نظام العمل الأخير أبرزها !!! كما تبين بعد صدور بعض الأنظمة والمشاريع أن هناك خللاً واضحاً فيها لم يره المشرعون إلا بعيون المستفيدين والمراقبين، بل ونجحت الكثير من الهجمات المنظمة والعشوائية في إسقاط الكثير من الأنظمة والمشاريع الحكومية، لأسباب عديدة ولكني أجزم أن أهمها كان بسبب إغفال رأي العموم، والذي لو تم الأخذ به لكان له دور كبير في تغيير النظام أو المشروع أو على الأقل إعادة صياغته بشكل يتناسب مع مصالح الجهة مصدرة المشروع والجهات الأخرى التي تتأثر به.
أحد مشاكلنا التي نعاني منها في مجتمعنا سوء الظن بالآخرين، فنعتقد أن رأي الناس سيمثل مصالحهم فقط دون النظر إلى المصلحة العامة، أو أن نشر النظام أو المشروع لطلب الرأي قبل اعتماده سيكون مدعاة للاعتراض على عكس الوضع لو تم الاعتماد والإبلاغ للتنفيذ فقط، وإن كان هذا صحيحاً في كثير من الأحيان، إلا أن حالة الرضا والقبول وسلاسة التنفيذ في الحالات التي يفرض فيها النظام والقانون جبراً بدون مراعاة رأي المستفيدين والمتأثرين به سيكون في أسوأ حالاته.

لنستعرض معاً أهم فوائد أخذ رأي العموم، أولاً: أنها تحترم الرأي الآخر، ثانياً: أنها تحصل على استشارة مجانية، ثالثاً أنها تقلل من الأخطاء، رابعاً: أنها تخفض تكاليف التغيير مستقبلاً، خامساً: أنها تقلل من الاعتراض بعد صدور النظام أو القانون، سادساً: أنها ستريحنا من الترهات الصحافية بين العموم والمسؤولين، سابعاً: وأخيراً: أن هذه الجهات ستجد من يثني عليها مثل هذا المقال.
يأسرني معالي وزير الاتصالات بصفات كثيرة فيه، أبرزها التواضع واللمسة الإنسانية في تعامله من حوله ( كما يصفونه ) والعمل بصمت، لكن شهادة حق أراها ويراها المتعقلون أن معالي الوزير يسهم بقوة في تغيير ثقافة المجتمع من خلال أسلوبه المتميز في إدارته لوزارته . . فهنيئاً لنا به.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي